وإن كان سكانها وملوكها من العرب المتدينين بدين الفرس أو دين المسيح ولو كان مراده من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية؛ لما كان لقوله:"أخذوها من الحيرة" وجه؛ فإن كثيرا من قبائل العرب كانوا كذلك فتعين أن مراده ما ذكرنا.
ثم يقول في لفظ زندقة: وهو أى: الزندقة اصطلاح جديد ولا مشاحة فيه والزندقة اصطلاح فارسي يرجع إلى العصر العباسي حين اتهم به البرامكة.
يقول ابن قتيبة:
وكذا البرامكة يرمون بالزندقة، وفيهم قال الأصمعي:
إذا ذكر الشرك في مجلس ... أضاءت وجوه بنى برمكِ
وإن تليت عندهم آية ... أتوا بالأحاديث عن مزدكِ
يقول صاحب لسان العرب: ١
الزنديق القائل ببقاء الدهر فارسي معرب.
وليس في كلام العرب زنديق.
وإنما تقول العرب: زندق وزندقي إذا كان شديد البخل.
فإذا أرادت العرب بمعنى ما تقوله العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال.
أما معناه في المسموع فدهري بضمها.
ويرجع اصطلاح الزندقة إلى "ماني" وذلك أن الفرس حين أتاهم "زرادشت" أتاهم بكتابه المعروف: "بالبستاه" باللغة الأولى من الفارسية وعمل له التفسير وهو: "الزند" وعمل لهذا التفسير شرحًا سماه "البازند"، وكان الزند بيانًا لتأويل المنزل.
ومن أورد في شريعتهم شيئًا بخلاف المنزل الذي هو البستا، وعدل إلى تأويل هو الزند، قالوا: هذا زندي فأضافوه إلى التأويل وإنه منحرف عن الظواهر من المنزل إلى التأويل وهو بخلاف التنزيل.