للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللمستشرقين بحوث في أصلها، ومعناها، وفي ورودها عند العرب قبل الإسلام، ومنهم من يرى: أن اللفظة من أصل "إرمى" وقد كانت معروفة عند النصارى؛ وأخذها الجاهليون منهم؛ وأطلقت على القائلين "بالتوحيد" من العرب - على أولئك الذين ظهروا في اليمن خاصة، ونادوا: "بالتوحيد وعبادة الرحمن" وهى: ديانة "توحيد" ظهرت بتأثير اليهودية، والنصرانية. غير أن أصحابها لم يكونوا "يهودا، ولا نصارى"؛ وإنما كانوا فرقة مستقلة تأثرت بآراء الديانتين١.

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن اللفظة من أصل "عبراني" وهو: "تحينوت". Thinath. أو من "حنف" Tnef. ومعناه: "التحنث" في العربية. وذلك لما لهذه اللفظة من صلة بالزهد والزهاد.

وقال "نولدكه": إنها من أصل "عربي"، وهو: "تحنف" على وزن "تبرر"، وهى من الكلمات التي لها معانٍ دينية، ويلاحظ أن السريان يطلقون لفظة "حنف" على "الصابئة". وقد وردت لفظة "حنف" في النصوص العربية الجنوبية بمعنى: "صبأ" أي: مال وتأثر بشيء ما.

وعندي: أن لفظة "حنيف" هي في الأصل بمعنى "صابئ"؛ أى: خارج عن ملة قوم، وتارك لعبادتهم، ويؤيد رأيي هذا ما ذهب إليه علماء اللغة من أنها من الميل عن الشيء ونزله، ومن ورودها بهذا المعنى في النصوص العربية الجنوبية؛ وبمعنى "الملحد" -المنافق، الكافر- في لغة بنى "إرم"؛ ومن إطلاق المسعودى ابن العبري لهذه اللفظة على "الصابئة"، ومن ذهاب "المسعودي" إلى أن اللفظة من الألفاظ السريانية المعربة.

وقد أطلقت على "المنشقين" على عبادة قومهم، الخارجين عليها كما أطلق أهل مكة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى أتباعه "الصابئ"، "الصباة"، فصارت علما على من تنكر لعبادة قومه، خرج على الأصنام.

ولهذا نجد الإسلام يطلقها في بادئ الأمر على: نابذي عبادة الأصنام، وهم الذين دعاهم بأنهم على دين "إبراهيم".


١ المفصل جـ٦ ص٤٥٣.

<<  <   >  >>