للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان التنكر للأصنام هو عقيدة الإسلام، لذلك صارت مدحًا لمن أطلق عليهم تلك اللفظة لازما١.

وقد عدَّ بعض المستشرقين "الحنفاء" شيعة من شيع "النصرانية" وعدوهم نصارى عربا زهادا، كيفوا النصرانية بعض التكييف، وخلطوا فيها بعض تعاليم من غيرها.

وقد استدلوا على ذلك بما ورد من تنصُّر بعضهم؛ وبما ورد في بعض الأشعار الجاهلية من مواضع يفهم منها على تفسيرهم أن المراد بهم شيعة من شيع "النصرانية"٢.

غير أن: "القرآن الكريم" قد نص نصا صريحا على أن الحنفاء لم يكونوا يهودا، ولا نصارى، وأنهم ينتمون في عقيدتهم إلى: "إبراهيم".

ثم إن: الإخباريين وإن أدخلوا في الأحناف أناسا نصوا على أنهم كانوا نصارى إلا أنهم نصوا في الوقت نفس نصا صريحا على أن البقية كانت واقفة، لم تدخل في "يهودية"، ولا "نصرانية"، وإذا وجدت في كل ديانة من الديانتين أمورًا جعلتها تتريث، فلم تدخل في إحداهما، وبقيت مخلصة لسنة إبراهيم.

لذلك: فلا يمكن اعتبار "الأحناف" "نصارى" خلصًا، أو شيعة من الشيع "النصرانية"٣.

وجُلُّ هؤلاء الأحناف هم من أسر معروفة، وبيوت يظهر أنها كانت مرفهة، أو فوق مستوى الوسط بالنسبة إلى تلك الأيام. ولهذا صار في إمكانهم الحصول على ثقافة، وعلى شراء الكتب، وقد كانت غالية الثمن إذ ذاك؛ لنيل العلم منها.

كما صار في إمكانهم الطواف في خارج جزيرة العرب؛ لامتصاص المعرفة من البلاد المتقدمة بالنسبة إلى تلك الأوقات مثل: العراق، وبلاد الشام، وقد اتصلوا -كما يزعم أهل الأخبار- فعلا برجال العلم والدين فيها، وتحادثوا معهم، وأخذوا الرأي منهم. ومن يدري فلعلهم قرأوا عليهم الكتب، وفي جملتها كتب اليونان، أو ترجمات كتبهم بالسريانية فحصلوا نتيجة لذلك على علم بمقولات اليونان، وبآرائهم في الفلسفة والدين والحياة.


١ المفصل جـ٤ ص٤٥٤.
٢ السابق جزءا وصفحة.
٣ السابق ص٤٥٦.

<<  <   >  >>