للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قس بن ساعدة، فقد رفعه الإخباريون من مصافِّ أسوياء البشر، ووضعوه في صف المعمرين، الذين عاشوا مائتين من السنين قبل سبع مئة سنة أو أقل من ذلك، غير أنه لا يقل عن ثلاث مائة سنة على كل حال١.

وقس هو: مخترع؛ أوجد للعرب أشياء عديدة على زعم أهل الأخبار، أحدث لهم أمورا كثيرة: فهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكأ عند خطبته على سيف أو عصا، وأول من علا على شرف، وأول من قال "أما بعد"، وأول من قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، فكل ما عرفه العرب من مثل هذه الأمور هو من صنعة قس وعمله، ثم إنه كان أحد حكماء العرب وخطيبهم كافة، كما ذكروا أن له ولقومه فضيلة ليست لأحد من العرب؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- روى كلامه وموقفه على جمله الأورق بعكاظ، وموعظته، وعجب من حسن كلامه، وقال فيه: "يحشر أمة وحدة".

وذهب "شبرنكر": إلى أن: قسا كان من "الركوسية"؛ وهم فرقة عرفهم أهل اللغة بأنهم: بين النصارى والصابئين، شملت جماعة من الحائرين في أمر دينهم؛ ولذلك عمدوا إلى: السياحة، والترهيب، والإنزواء، وقد حسبهم العرب نصارى فأدخلوهم فيهم في أثناء كلامهم على هؤلاء٢.

وجميع هذا القصص المروي عن "قس" هو من النوع الذي يحتاج إلى تمحيص.

١- زيد بن عمرو بن نفيل:

هو: زيد بن عمرو بن نفيل بن رباح بن عبد الله، ينتهى نسبة غالب بن فهر فهو من "قريش" ولم تعجبه عبادة قومه، فانتقدها، وهزئ منها، ووقف فلم يدخل في "يهودية" ولا "نصرانية" وفارق دين قومه، فاعتزل الأوثان، ونهى عن قتل الموءودة وامتنع عن الذبح للأنصاب، ومن أكل الميتة، وما ذبح على النصب.

وترجع إحدى الروايات: سبب خروج "زيد" على عبادة قومه أنه حضر يوما، وحضر معه في ذلك اليوم: ورقة بن نوفل، وعبد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث -عيدًا من أعياد قريش عند صنم من أصنامهم كانوا يعظمونه، ويعكفون


١ السابق جـ٦ ص٤٦٥، المؤتلف والمختلف ص٣٣٨.
٢ المفصل جـ٦ ص٤٦٧.

<<  <   >  >>