وإذا صح ما ذهبنا إليه وهو أن مذهب الحمس القرشي بانت أصوله قبل حملة أبرهة الحبشي، وحملت قريش العرب عليه فتكون مظاهر الوحدة العربية والسيادة القرشية سابقة على العصر الإسلامي؛ فدينهم الوثني هو دين الجزيرة وبيتهم بات مركزًا للأصنام الممثلة للقبائل -كما حكى الأزرقي أنه وجد في مكة ما يربو على ثلاثمائة صنم؛ أي أنه لكل قبيلة صنمها في ربعها وصنم في بيت الأصنام.
كذلك يتبع المظهر العام للوحدة، المظهر اللغوي، ونعني به أن لغة قريش أصبحت سائدة ولا سيما في المناسبات الرسمية التي تقتضيهم قرض الشعر والمفاخرة به وإذاعته في منتدياتهم الرسمية عكاظ ومجنة وذي المجاز.
نقول: اتجه العرب على اختلاف لهجات قبائلهم إلى صياغة أشعارهم بلغة قريش -وذلك واضح من قراءتنا لها- حيث لا يبدو اختلاف في لهجتهم ونطقهم لا على جدار الكعبة ما يؤيد ما تذهب إليه أن هذه المعلقات تكلف لها العرب لغة قريش لترف على بيت قريش وتعتبر ظاهرة الواحدة -أي طابع قريش العام- من حيث اللغة والدين ونسك الحج والاقتصاد مما سيطر على العرب قبل الإسلام، وكانت كلها عوامل ممهدة لنزول القرآن بلغة قريش؛ إذ ليس من المعقول أن ينزل القرآن بلغة قبيلة من قبائل العرب دون أن يكون وراءه أسباب تاريخية تشهد بسمو هذه اللغة القرشية على غيرها وفي رأينا -الذي له شواهده التاريخية- أن هذه اللغة القرشية تعدت نطاق قبيلة قريش فحملوها معهم -وهم رسل التجارة- إلى بطن الجزيرة ومشارفها وخارجها، فكتبت بها العهود التجارية التي أبرمتها مع الرومان، والفرس، واليمن، والحبشة، وفي النقل التجاري عوامل حيوية في ميدان الاقتباس، فعندما نزل القرآن كان يتفق مع الروح العربية في اصطفائها لغة قريش؛ لغة ثفافة وحضارة ونشر للآداب والأشعار.
أما من ناحية المضمون الفكري فنرى أن القضايا الفكرية التي تناولتها لائحة قريش التنفيذية كانت خالية من أي عمق فكري فلا نرى فيها ما يشير من قريبب أو من بعيد إلى مشكلات المجهول: كقضايا البشرية، والخلق، ويبدو أنها كانت لا تراود عقل العربي إلا في النادر اليسير من الأوقات.