للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: حيث وجهني الله، يقول رسول الله: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها ١ الله".

فإن أبا ذر لم يبين أثر المسيحية أو اليهودية في توجهه إلى الله، وربما كان ذلك أثرا من الحنيفية ما زال موجودا بين العرب، وهذا ما نميل إليه، وعبادة الرسول قبل البعثة كانت على دين ابراهيم وكان يدفعهم إلى البحث عن اتجاهات عقلية تميل نحو البحث عن حقيقة الدين، ووجدنا مثل ذلك قد ظهر مع الحنفاء.

يقول الشيخ مصطفى عبد الرازق:٢ كل ذلك يدل على أن العرب عند ظهور الإسلام كانوا يتشبثون بأنواع من النظر العقلي.

ويقول: وكان يعد العرب للجدل الديني ويحفزهم إليه إما الدفاع عن أديانهم الموروثة ضد الأديان الدخيلة عليهم، وإما المهاجمة لهذه الأديان جميعا من أجل ما يلتسمون من الدين الحنيف دين إبراهيم".

"على أنه ينبغي ألا نبالغ في تصور من تنصروا من العرب قبل الإسلام، ونظن أنهم قاموا بتعاليم النصرانية قيامًا دقيقًا، فقد عرفوا الكنائس والبيع والرهبان والأساقفة والصوامع، ولكنهم ظلوا لا يتعمقون في هذا الدين الجديد، وظلوا يخلطونه بغير قليل من وثنيتهم وربما كان مما يوضح ذلك خير توضيح قول عدي بن زيد العبادي:

سعى الأعداء لا يألون شرا ... عليه ورب مكة والصليب

فهو يجمع بقسمه بين رب مكة ورب الصليب.

والحق أن نصارى العرب في الجاهلية إنما عرفوا ظاهرا من دينهم وقلما عرفوا حدوده، وقد سقطت إلى أشعارهم وأشعار الوثنيين أنفسهم كلمات ومصطلحات كثير منه ومن شخوصه وطقوسه فمنذ قول امرئ القيس:

يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أهان السليط في الذبال المفتل


١ فتح الباري إسلام أبي ذر جـ٨.
٢ تمهيد في الفلسفة الإسلامية ص١١١.

<<  <   >  >>