للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها: "الماني" بمعنى القادر والمنية بمعنى الموت؛ لأن الموت مقدر بوقت مخصوص، وهي من الكلمات السامية المشتركة الواردة في مختلف لهجات هذه المجموعة، ولهذه الكلمة: صلة باسم الإله الكنعاني "منى": وهو إله القدر ولها أيضا: صلة بالصنم "منوات" من أصنام ثمود. و"مناة" من أصنام الجاهليين١.

وتؤدي كلمة "المنون" معنى الدهر والموت؛ وقد تسبق بكلمة ريب في بعض الأحيان فيقال: ريب المنون؛ ما يقال: ريب الدهر.

ويرى نولدكه: إن هذه الكلمات هي أسماء آلهة، وليست أسماء أعلام، هي أسماء تعبر عن معانٍ مجردة للألوهية، وهي مما استخدم في لغة الشعر للتعبير عن هذه العقائد الدينية، فالزمان مثلا أو الدهر لا يعنيان على رأيه هذا إلها معينا، ولا صنما خاصا؛ إنما هي تعبير عن فعل الآلهة في الإنسان.

وبعض هذه الكلمات في رأي: "ولهوزن" مثل: "قضاء ومنية" هي بقايا جمل اختصرت ولم يبق منها غير بقايا هذه الكلمات. فكلمة قضاء هي بقية جملة أصلها: قضاء الله؛ سقطت منها الكلمة الأخيرة، وبقيت الأولى، وكذلك الحال في منية فإنها: بقية جملة هي: "منية الله" سقط عجزها وبقى صدرا، وهي تعني أن المنيةهي منية "الله" تصيب الإنسان٢.

يبدو أن: من الغريب ذكر الدهر والزمان والحمام والمنايا، وأمثالا في الشعر، ونسبة الفعل إليها، بينما يهمل ذكر الأصنام فيه، أو نسبة الفعل إلى "الله" تعالى.

فهل يعني هذا أن الجاهليين لم يكونوا يعلمون أن "لله" سلطانا وحولا، وأن المنايا، والحتوف وكل خير أو مكروه هو من فعل "الله تعالى"؟

الواقع: أن هذا الذي نذكر يذهب إليه أهل الجاهلية، ولم يقصدوه، وما ذكر الدهر في الشعر إلا: كتشكي الناس من الزمان أو من الحظ أو النصيب في هذه الأيام، وشكواهم من ذلك لا يعني تحديد سلطان "الله" تعالى أو نكرانه؛ وإنما هو بقية من تصور إنساني قديم بنسبة كل فعل وعمل إلى قوة خفية هي القوة العاملة،


١ المفصل جـ٦ ص١٥٥، ص١٥٦، ١٥٧.
٢ السابق جـ٦ ص١٥٨.

<<  <   >  >>