لله الحمد على ما أنعم وله الشكر على ما أسدى، والصلاة والسلام على نبيه العربيّ الكريم وعلى جميع رسله وأنبيائه الطاهرين. أما بعد فقد رأينا منذ عهد بعيد أن المبتدئين في تعلم قواعد اللغة العربية، يتجشمون صعاباً في درسها، ويقاسون عناء في إدراكها، ورأينا الكتب التي وُضعتْ لهم فيها، لم تأخذ بأيديهم إلى الغاية المنشودة إلا قليلاً، ولا عجب، فقد طال على تأليفها الأمد، واختلفت عليها دورات الزمان، وأصبحت أثراً من آثار الماضي البعيد، وقد سطع في هذا العصر نور من المدينة فكشف عن البصائر غطاءها، ودفع الناس كافةً إلى السير في طريق التجديد، وبلغ فن التربية بجهود العاملين من رجاله مقاماً محموداً، ومدى بعيداً، فكانت مباحث جديدة، وتجارب سديدة، وطرق معبَّدة عفت على آثار الفن العتيق، والمذهب القديم.
ولقد بلونا التعليم طويلاً، وأحطنا بالتلاميذ خُبراً، ودرسنا عقولهم وميولهم وغرائزهم، وقرأنا حاجة في نفوسهم صعُب نيلها، وعز قضاؤها، ورأيناهم يسيرون في شوك وقتاد، ويجاهدون في غير جهاد، فتلجلج في صدورنا أن نضع لهؤلاء التلاميذ كتاباً في القواعد، يجري معهم على قدر خطاهم، ويكشف لهم من مسائل العلم ما يلائم عقولهم، ويأخذ بأيديهم في طريق ممهدة هوناً إلى الغاية، ويبعث فيهم حب العربية، وأنها لم تكن لغزاً ولم تكن طلسماً، ولم تكن شبحاً مخيفاً، بل آيات بينات، من اللسان العربي الشريف، مهد عزهم، ومصدر فخرهم، ومجد وطنهم.
وقد نحونا في هذا الكتاب طريقة الاستنباط التي هي أكثر طرق التعليم قرباً إلى عقول الأطفال، وأثبتها أثراً في نفوسهم، وأقر بها إلى المنطق؛ لأنها خير دافع إلى التفكير والبحث، وتعرّف وجوه المشابهة والمخالفة بين الأشباه والأضداد؛