لأنه لا يفعل إلا ما شاء، وظاهره أنه حمل النهي على التحريم، وهو الظاهر، وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى، ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة. قال ابن بطال: في الحديث ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريمًا.
وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدًا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من التقصير - فإن اللَّه قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: رب أنظرني إلى يوم يبعثون، وقال الداودي: معنى قوله: «ليعزم المسألة» أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمسثنى، ولكن دعاء البائس الفقير، قلت: وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد.
١٢ - عن أبي هريرة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي».
(رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه).
جاء في «فتح الباري»(جـ ١١ ص ١٤٥، ١٤٦):
(قوله:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل» أي: يجاب دعاؤه ...
قوله:«يقول دعوت فلم يستجب لي» في رواية غير أبي ذر «فيقول» بزيادة فاء واللام منصوبة، قال ابن بطال: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء ... وقد وقع في رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي:«لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، وما لم يستعجل، قيل وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» ومعنى قوله يستحسر - وهو بمهملات - ينقطع.
وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أُحرم الدعاء من أن أُحرم الإجابة، وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه:«من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة» الحديث أخرجه الترمذي بسند لين وصححه الحاكم فوهم، قال الداودي: يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير. انتهى.
وقد قدمت في أول كتاب الدعاء الأحاديث الدالة على أن دعوة المؤمن لا ترد، وأنها