بن أحمد في كتاب «الزهد» لأبيه: «أصاب بني إسرائيل بلاء، فخرجوا مخرجًا، فأوحى اللَّه عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم: إنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليَّ أكفًّا قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم، لن تزدادوا مني إلا بعدًا». وقال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.
والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل.
وله مع البلاء ثلاث مقامات:
أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفًا.
الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل منهما صاحبه.
والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحًا تامًا لا آفة به، والساعد ساعدًا قويًّا، والمانع مفقودًا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير، فإن كان في نفسه غير صالح، أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمّ مانع من الإجابة، لم يحصل الأثر.
سؤال هام مشهور:
وهاهنا سؤال مشهور وهو: أن المدعو به إن كان قد قدر، لم يكن بُدّ من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر، لم يقع، سواء سأله العبد أو لم يسأله (١) فظنت طائفة صحة هذا السؤال. فتركت الدعاء وقالت: لا فائدة فيه. وهؤلاء - مع فرط جهلهم وضلالهم - متناقضون، فلو اطرد مذهبهم لوجب تعطيل جميع الأسباب. فيقال لأحدهم: إن كان الشبع والري قد قدرا لك، فلا بد من وقوعهما، أكلت أو لم تأكل. وإن لم يقدرا لك لم يقعا، أكلت أو لم تأكل، وإن كان الولد قد قدر لك، فلا بد منه، وطئت الزوجة أو الأمة أو لم تطأها، وإن لم يقدر لم يكن، فلا حاجة إلى التزوج والتسري، وهلم جرا، فهل يقول هذا عاقل أو آدمي؟ بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الأسباب التي بها
(١) أي: كما يقال مثلاً: طالما أن اللَّه تعالى قد كتب عليّ هذه البلوى، فلا فائدة من الدعاء. (قل).