أحدهما: إثبات القدر، وأن أحكام الرب تعالى نافذة في عبده ماضية فيه، لا انفكاك له عنها، ولا حيلة له في دفعها.
والثاني: أنه سبحانه عدل في هذه الأحكام، غير ظالم لعبده، بل لا يخرج فيها عن موجب العدل والإحسان، فإن الظلم سببه حاجة الظالم، أو جهله، أو سفهه، فيستحيل صدوره ممن هو بكل شيء عليم، ومن هو غني عن كل شيء، وكل شيء فقير إليه، ومن هو أحكم الحاكمين، فلا تخرج ذرة من مقدوراته عن حكمته وحمده، كما لم تخرج عن قدرته ومشيئته، فحكمته نافذة حيث نفذت مشيئته وقدرته، ولهذا قال نبي اللَّه هود صلى اللَّه على نبينا وعليه وسلم، وقد خوفه قومه بآلهتهم:{إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ - مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ - إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[هود: ٥٤ - ٥٦].
أي: مع كونه سبحانه آخذًا بنواصي خلقه وتصريفهم كما يشاء، فهو على صراطٍ مستقيم لا يتصرف فيهم إلا بالعدل والحكمة، والإحسان والرحمة. فقوله:«ماض في حكمك» مطابق لقوله: {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}، وقوله:«عدل فيَّ قضاؤك» مطابق لقوله: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، ثم توسل إلى ربه بأسمائه التي سَمَّى بها نفسه ما علم العباد منها وما لم يعلموا، ومنها: ما استأثره في علم الغيب عنده، فلم يُطلِع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلاً، وهذه الوسيلةُ أعظم الوسائل، وأحبها إلى اللَّه، وأقربها تحصيلاً للمطلوب.
ثم سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان، وكذلك القرآن ربيع القلوب، وأن يجعله شفاء همِّه وغمِّه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله، وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطُبوع والأصدية وغيرها، فأحرى بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاء تامًّا، وصحة وعافية، واللَّه الموفق). اهـ من «زاد المعاد».