للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: (باب رفع الأيدي في الدعاء) أي: على صفة خاصة.

وفي الحديث الأول رد من قال لا يرفع كذا إلا في الاستسقاء، بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلاً، وتمسك بحديث أنس: «لم يكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء» وهو صحيح، لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء (١)، وحاصله أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلاً وفي الدعاء إلى حذو المنكبين، ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما «حتى يرى بياض إبطيه» بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء. قال المنذري: وبتقدير تعذر الجمع فجانب الإثبات أرجح. قلت: ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك، فإن فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في «الأذكار» وفي «شرح المهذب» جملة. وعقد لها البخاري أيضًا في «الأدب المفرد» بابًا ذكر فيه حديث أبي هريرة: «قدم الطفيل بن عمرو على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن دوسًا عصت فادع اللَّه عليها، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: اللهم اهد دوسًا» وهو في «الصحيحين» دون قوله «ورفع يديه»، وحديث جابر: «أن الطفيل بن عمرو هاجر»، فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه، وفيه: «فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه». وسنده صحيح، وأخرجه مسلم. وحديث عائشة أنها: «رأت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدعو رافعًا يديه يقول: اللهم إنما أنا بشر» الحديث، وهو صحيح الإسناد.

ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في «جزء رفع اليدين»: «رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رافعًا يديه يدعو لعثمان»، ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف «فانتهيت إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو رافع يديه يدعو»، وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضًا «ثم رفع يديه يدعو»، وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع «فرفع يديه ثلاث مرات» الحديث، ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة «فرفع يديه وجعل يدعو»، وفي «الصحيحين» من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية: «ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول: اللهم هل بلغت»، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو «أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال: اللهم أمتي»، وفي حديث عمر «كان رسول اللَّه


(١) أي ما تقدم في شرح الحديث السابق. (قل).

<<  <   >  >>