للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترفع يديك حذو منكبيك» أي: قريبًا منهما لكن إلى ما فوق «والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة».

قال الطيبي: أدب الاستغفار الإشارة بالسبابة سبًا للنفس الأمَّارة والشيطان والتعوذ منهما، وقيده بواحدة لأنه يكره الإشارة بإصبعين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يشير بهما فقال له: أحِّد أحد (١) «والابتهال» أي: التضرع والمبالغة في الدعاء في دفع المكروه عن النفس أدبه «أن تمد يديك جميعًا» أي: حتى يرى بياض إبطيك.

قال الطيبي: ولعله أراد بالابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب ليجعل يديه الترس ليستره عن المكروه). اهـ من «عون المعبود».

وجاء في (ب - ف): «حذو منكبيك: أي: أمامه وإزاءه. والابتهال: أي: التضرع والمبالغة في السؤال».

فائدة: في الدعاء رضا رب الأرض والسماء:

قال المناوي رحمه اللَّه تعالى تعليقًا على الحديث المتقدم: «من لم يسأل اللَّه تعالى يغضب عليه»: (قوله: «من لم يسأل اللَّه تعالى» أي: يطلب من فضله «يغضب عليه» لأنه إما قانط، وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين موجب الغضب، قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: ٦٠] أي: عن دعائي فهو سبحانه يحب أن يسأل وأن يلح عليه، ومن لم يسأله يبغضه والمبغوض مغضوب عليه، قال ابن القيم: هذا يدل على أن رضاه في مسألته وطاعته (٢)، وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه، والدعاء عبادة، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠]، فهو تعالى يغضب على من لم يسأله كما أن الآدمي يغضب على من يسأله.

فشتان ما بين هذين، وسحقًا لمن علق بالأثر وأبعد عن العين، قال الحليمي: وإذا كان هكذا فما ينبغي لأحد أن يخلي يومًا وليلة من الدعاء، لأن الزمن يوم وليلة وما وراءهما تكرار، فإذا كان ترك الدعاء أصلاً يوجب الغضب فأدنى ما في تركه يوم وليلة أن يكون مكروهًا). اهـ.

* * *


(١) قاله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لسعد - صحيح - رواه أحمد عن أنس - انظر «صحيح الجامع». (قل).
(٢) وسخطه في الاستغناء عنه ومعصيته. (قل).

<<  <   >  >>