وضربها - وشق جيوب - أي: القمصان - ورنة - أي: صياح - وهذا هو رحمة، ومن لا يرحم لا يُرحم «لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا، لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب». قال الترمذي: هذا حديث حسن (١).
فانظر إلى هذا النهي المؤكد، بتسميته صوت الغناء صوتًا أحمق ولم يقتصر على ذلك، حتى وصفه بالفجور، ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان، وقد أقر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر الصديق على تسمية الغناء مزمور الشيطان في الحديث الصحيح، كما سيأتي، فإن لم يُستفد التحريم من هذا لم نستفده من نهي أبدًا.
* * *
فصل
الحادي عشر: وأما تسميته صوت الشيطان. فقد قال تعالى للشيطان وحزبه:{اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا - وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا}[الإسراء: ٦٣، ٦٤].
قال ابن أبي حاتم في «تفسيره»: عن ابن عباس {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ} قال: كل داع إلى معصية.
ومن المعلوم أن الغناء من أعظم الدواعي إلى المعصية ولهذا فسر صوت الشيطان به.
قال ابن أبي حاتم عن ليث:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ} قال: استزل منهم من استطعت. قال: وصوته: الغناء والباطل.
وبهذا الإسناد عن منصور عن مجاهد قال: صوته هو المزمار، ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال: صوته هو الدف.
وهذه الإضافة إضافة تخصيص، كما أن إضافة الخيل والرجل إليه كذلك، فكل متكلم بغير طاعة اللَّه، ومصوت بيراع أو مزمار، أو دف حرام، أو طبل، فذلك صوت الشيطان وكل ساع في معصية اللَّه على قدميه فهو من رجله، وكل راكب في معصية اللَّه فهو من خيالته، كذلك قال السلف، كما ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: رجله
(١) وحسنه الألباني أيضًا في «صحيح سنن الترمذي». (قل).