الثاني عشر: وأما تسميته مزمور الشيطان. ففي الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل عليَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث (١)، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه، فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فأقبل عليه رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال:«دعهما» فلما غفل غمزتهما، فخرجتا. فلم ينكر رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أبي بكر تسمية الغناء مزمار الشيطان، وأقرهما، لأنهما جاريتان غير مكلفتين تغنيان بغناء الأعراب الذي قيل في يوم حرب بعاث من الشجاعة والحرب، وكان اليوم يوم عيد، فتوسع حزب الشيطان في ذلك إلى صوت امرأة جميلة أجنبية أو صبي أمرد صوته فتنة، وصورته فتنة، يغني بما يدعو إلى الزنى والفجور، وشرب الخمور، مع آلات اللهو التي حرمها رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عدة أحاديث - كما سيأتي - مع التصفيق والرقص، وتلك الهيئة المنكرة التي لا يستحلها أحد من أهل الأديان، فضلاً عن أهل العلم والإيمان، ويحتجون بغناء جويريتين غير مكلفتين بنشيد الأعراب ونحوه، في الشجاعة ونحوها، في يوم عيد بغير شبابة ولا دف ولا رقص ولا تصفيق، ويدعون المحكم الصريح لهذا المتشابه، وهذا شأن كل مبطل.
نعم .. نحن لا نحرم ولا نكره مثل ما كان في بيت رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك الوجه، وإنما نحرم نحن وسائر أهل العلم والإيمان السماع المخالف لذلك، وباللَّه التوفيق.
* * *
فصل
الثالث عشر: وأما تسميته بالسمود. فقد قال تعالى:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ - وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ - وَأَنتُمْ سَامِدُونَ}[النجم: ٥٩ - ٦١]. قال عكرمة عن ابن عباس: السمود: الغناء في لغة حمير. يقال: اسمدي لنا أي: غَنِّ لنا، [ثم ذكر رحمه اللَّه عدة تفسيرات أخرى للسمود].
(١) بعاث: بضم الموحد، وبعدها عين مهملة وآخرها ثاء مثلثة، وهو حصن للأوس يقال: كان في دار بني قريظة على ليلتين من المدينة، كان يوم بعاث آخر العداء والقتال بين الأوس والخزرج، وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح، فلما هاجر رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طهر اللَّه به قلوبهم من هذه الإحن، وأنعم عليهم بأخوة الإسلام، فألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانًا.