فحكاه سبحانه عن طائفتين: عشق كل منهما ما حرم عليه من الصورة، ولم يبال بما في عشقه من الضرر.
وهذا داء أعيا الأطباء دواءه، وعز عليهم شفاءه، وهو واللَّه الداء العُضال والسم القتال الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى استنقاذه من إساره، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره، وهو أقسام:
تارة يكون كفرًا، كمن اتخذ معشوقه ندًّا، يحبه كما يحب اللَّه، فكيف إذا كان محبته أعظم من محبة اللَّه في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفره اللَّه لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، واللَّه لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري، أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحق ربه، وطاعة ربه، وطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه - إن بذل - أردأ ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضاة معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه - إن أطاعه - الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
فتأمل حال أكثر عشاق الصور، هل تجدها إلا مطابقة لذلك؟ ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم وإيمانهم في كفة، ثم زن وزنًا يرضي اللَّه ورسوله ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه.
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه ألبتة، بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله؛ فصار عبدًا مخلصًا من كل وجه لمعشوقه، فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبوديته لمخلوق مثله، فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع، وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه، فقد أعطاه حقيقة العبودية.
ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة، فإن تلك ذنب كبير لفاعله حكم أمثاله، ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك.
وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لأن أبتلي بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إليَّ من أن أبتلي فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن اللَّه.