للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [البقرة: ١٥٦] وفي الأثر: «لا تخلون بامرأة ولو كنت تحفظها كتاب اللَّه» (١).

ثالثًا: سؤال هام: هل صوت المرأة عورة؟

جاء في «روائع البيان» ما يلي: «حرم الإسلام كل ما يدعو إلى الفتنة والإغراء، فنهى المرأة أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال فتتحرك الشهوة في قلوب بعض الرجال {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}.

وقد استدل الأحناف بهذا النهي على أن صوت المرأة عورة فإذا منعت عن صوت الخلخال فإن المنع عن رفع صوتها أبلغ في النهي.

قال الجصاص في «تفسيره»: وفي الآية دلال على أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب إذا كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها، ولذلك كره أصحابنا أذان النساء لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت، والمرأة منهية عن ذلك، وهو يدل على حظر النظر إلى وجهها للشهوة إذا كان ذلك أقرب إلى الريبة وأولى بالفتنة (٢). ونقل بعض الأحناف أن نغمة المرأة عورة واستدلوا بحديث «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» (٣)، فلا يحسن أن يسمعها الرجل.

وذهب الشافعية وغيرهم إلى أن صوت المرأة ليس بعورة لأن المرأة لها أن تبيع وتشتري وتدلي بشهادتها أمام الحكام، ولا بد في مثل هذه الأمور من رفع الصوت بالكلام.

قال الألوسي: «والمذكور في معتبرات كتب الشافعية - وإليه أميل - أن صوتهن ليس بعورة فلا يحرم سماعه إلا أن خشي منه فتنة» (٤).

والظاهر أنه إذا أمنت الفتنة لم يكن صوتهن عورة فإن نساء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ يروين الأخبار، ويحدِّثن الرجال، وفيهم الأجانب من غير نكير ولا تأثيم.

وذهب ابن كثير رحمه اللَّه أن المرأة منهية عن كل شيء يلفت النظر إليها، أو يحرك شهوة الرجال نحوها، ومن ذلك أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها فيشم الرجال طيبها لقوله عليه السلام: «كل عين زانية، والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا» (٥). يعني: زانية ومثل ذلك أن تحرك يديها لإظهار أساورها وحليها.

أقول: ينبغي على الرجال أن يمنعوا النساء من كل ما يؤدي إلى الفتنة والإغراء ... » (٦). انتهى من «روائع البيان».

فائدة:

شرح الحديث المتقدم في التفسير «الحمو الموت»:

ثبت في «الصحيحين» عن عقبة بن عامر، أن رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إياكم والدخول على النساء». فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت».

جاء في «تحفة الأحوذي» (جـ٤ ص ٢٦٤، ٢٦٥):

قوله: «إياكم والدخول» بالنصب على التحذير وهو تنبيه للمخاطب على محذور ليحترز عنه كما قيل إياك والأسد، وقوله: إياكم مفعول بفعل مضمر تقديره: اتقوا وتقدير الكلام: اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء، والنساء أن يدخلن عليكم. وفي رواية عند مسلم: لا تدخلوا على النساء. وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى «أفرأيت الحمو». اهـ.

قال النووي رحمه اللَّه تعالى في «شرح مسلم» (جـ ١٤ ص ٢٢٠، ٢٢١): (وقال الليث بن سعد: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه، اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم، والأختان أقارب زوجة الرجل، والأصهار يقع على النوعين. وأما قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحمو الموت» فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي. والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم، ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه. ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث، وأما ما ذكره المازري وحكاه أن المراد بالحمو أبو الزوج.

وقال: إذا نهى عن أبي الزوج وهو محرم فكيف بالغريب، فهذا كلام فاسد مردود، ولا يجوز حمل الحديث عليه،


(١) الأصل قيام الرجل بالتدريس للرجال، والنساء بالتدريس للنساء، فإن كانت هناك حاجة في قيام الرجال بالتدريس للنساء فليكن ذلك من وراء حجاب. (قل).
(٢) «أحكام القرآن» للجصاص (ج٣ ص: ٣٩٣).
(٣) سيأتي إن شاء اللَّه تعالى. (قل).
(٤) «روح المعاني» للألوسي (ج١٨ ص: ١٤٦).
(٥) رواه أبو داود النسائي. وانظر «تفسير ابن كثير». اهـ. وقد تقدم. (قل).
(٦) «روائع البيان» للشيخ الصابوني، (ج٢ ص: ١٦٦، ١٦٧). (قل).

<<  <   >  >>