قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} أي: توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات، وتلم شعث التائب وتجمعه وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات. قال عمر (التوبة النصوح): أن يتوب من الذنب، ثم لا يعود فيه أو لا يريد أن يعود فيه. وقال أبو الأحوص: سُئل عمر عن التوبة النصوح، فقال: أن يتوب الرجل من العمل السيئ، ثم لا يعود إليه أبدًا. وقال ابن مسعود:{تَوْبَةً نَّصُوحًا} قال: يتوب ثم لا يعود، ولهذا قال العلماء: التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل، ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه، وفي الحديث الصحيح:«الندم توبة»(١).
وقال الحسن:«التوبة النصوح أن تبغض الذنب كما أحببته، وتستغفر منه إذا ذكرته». فأما إذا جزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح:«الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها».
وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرار على ذلك إلى الممات - كما تقدم في الحديث وفي الأثر - ثم لا يعود فيه أبدًا، أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم لعموم قوله - عليه السلام -: «التوبة تجب ما قبلها»؟
وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا:«من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر». فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة، فالتوبة بطريق الأولى. واللَّه أعلم.