للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي اللَّه عنهم. فعن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً إلى الجنة، يؤتى برجل فيقول: نحُّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا، فيقال: فإن لك بكل سيئة حسنة، فيقول: يا رب، عملت أشياء لا أراها هاهنا». قال: فضحك رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت نواجذه (١).

وقال علي بن الحسين زين العابدين: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}. قال: في الآخرة. وقال مكحول: يغفرها لهم فيجعلها حسنات.

ثم قال تعالى مخبرًا عن عموم رحمته بعباده، وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان جليلاً أو حقيرًا، كبيرًا أو صغيرًا، فقال تعالى: {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} أي: فإن اللَّه يقبل توبته، كما قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآية، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} الآية، أي: لمن تاب إليه).

قال اللَّه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: ٢٥].

قال ابن كثير رحمه اللَّه تعالى: (يقول تعالى ممتنًا على عباده بقبول توبتهم إذا تابوا ورجعوا إليه، أنه من كرمه وحلمه يعفو ويصفح، ويستر ويغفر، كقوله عزّ وجلّ: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}، وقد ثبت في «صحيح مسلم» عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «للَّه تعالى أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة (٢)، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس (٣) منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها (٤)، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح».

وقوله عزَّ وجلَّ: {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} أي: يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن


(١) أخرجه مسلم في «صحيحه».
(٢) بأرض فلاة: هي الواسعة الخالية من الناس والماء والنبات (ب - ف). (قل).
(٣) فأيس: انقطع أمله (ب - ف). (قل).
(٤) بخطامها: هو الرباط يوضع على أنف الجمل ليقاد به (ب - ف). (قل).

<<  <   >  >>