للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيدي وأنا الحي القيوم؟ ويرجى غيري، ويطرق بابه بالبكرات، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به؟ أو من الذي رجاني لعظيم، فقطعت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي، فلم أفتحه له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أبخيل أنا فيبخِّلنُي عبدي؟ أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعت أهل السماوات والأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع، وبلغت كل واحدٍ منهم أمله، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، كيف ينقص ملك أنا قَيِّمهُ؟ فيا بؤسًا للقانطين من رحمتي، ويا بؤسًا لمن عصاني وتوثب على محارمي). اهـ.

ونعود إلى تكملة شرح الحديث السابق - من نفس الكتاب أيضًا - قال ابن رجب رحمه اللَّه:

وقوله: «إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي». يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره. وفي «الصحيح» عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن اللَّه لا يتعاظمه شيء» (١).

فذنوب العباد وإن عظمت، فإن عفو اللَّه ومغفرته أعظم منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو اللَّه ومغفرته.

وقال بعضهم (٢):

يا رب إنْ عظمت ذنوبي كثرةً ... فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ

إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ ... فمن الذي يرجو ويدعو المجرمُ

ما لي إليك وسيلةٌ إلا الرجا ... وجميلُ عفوك ثم أني مسلِمُ

السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، وبلغت الكثرة عنان السماء، وهو السحاب. وقيل: ما انتهى إليه البصر منها.

والاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شر الذنوب مع سترها.

وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار، فتارةً يؤمر به، كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩]، وقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} [هود: ٣].

وتارة يمدح أهله، كقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: ١٧]، وقوله:


(١) رواه من حديث أبي هريرة أحمد (٢/ ٤٥٧)، والبخاري في «الأدب المفرد» (٦٠٧)، ومسلم (٢٦٧٩)، وصححه ابن حبان (٨٩٦).
(٢) هو أبو نواس الحسن بن هانئ، والأبيات في «ديوانه» (ص ٢١٨).

<<  <   >  >>