للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: ١٨]، وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ} [آل عمران: ١٣٥].

وتارة يذكر أن اللَّه يغفر لمن استغفره، كقوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: ١١٠].

وكثيرًا ما يُقرن الاستغفارُ بذكر التوبة، فيكون الاستغفارُ حينئذٍ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح.

وتارة يفرد الاستغفار، ويُرتب عليه المغفرة، كما ذكر في هذا الحديث وما أشبهه، فقد قيل: إنه أريد به الاستغفارُ المقترن بالتوبة، وقيل: إن نصوص الاستغفار المفردة كلها مطلقة تقيدُ بما يذكر في آية «آل عمران» من عدم الإصرار؛ فإن اللَّه وعد فيها المغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يُصر على فعله، فتحملُ النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد (١)، ومجرد قول القائل: اللهم اغفر لي، طلب منه للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء، فإن شاء اللَّه أجابه وغفر لصاحبه، لا سيما إذا خرج عن قلبٍ منكسرٍ بالذنب أو صادف ساعةً من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات.

ويُروى عن لُقمان أنه قال لابنه: يا بنيَّ، عود لسانك: اللهمَّ اغفر لي، فإن للَّه ساعاتٍ لا يرد فيها سائلاً.

وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة.

وعن مورِّق قال: كان رجل يعملُ السيئات، فخرج إلى البرية، فجمع ترابًا، فاضطجع عليه مستلقيًا، فقال: ربِّ اغفر لي ذنوبي، فقال: إنَّ هذا ليعرفُ أنَّ له ربًا يغفرُ ويُعذب، فغفر له.

وأما استغفارُ اللسان مع إصرار القلب على الذنب، فهو دُعاء مجرَّد إن شاء اللَّه أجابه، وإن شاء ردَّه.

وقد يكون الإصرار مانعًا من الإجابة. وفي «المسند» (٢) من حديث عبد اللَّه بن عمرو


(١) أي: أن الاستغفار المفرد الذي يرتب اللَّه عليه المغفرة يكون توبة في حالتين:
الأولى: أن يقول العبد: أستغفر اللَّه، وينوي بذلك التوبة؛ لأن العبرة هنا بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
الثانية: أن يقول العبد: أستغفر اللَّه، ومقصوده بذلك عدم الإصرار على المعصية. (قل).
(٢) ٢/ ١٦٥، ٢١٩)، ورواه أيضًا البخاري في «الأدب المفرد» (٣٨٠)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/ ٢٦٥، ٢٦٦)، وجود إسناده الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» (٣/ ٢٠٢)، وحسنه الحافظ ابن حجر في «الفتح» (١/ ١١٢).

<<  <   >  >>