للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه الشياطين [الإنس والجن] وتجرئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم.

٤٠ - ومن عقوباتها: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه ...

والمقصود: أن العبد العاصي إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على اللَّه تعالى والإنابة إليه، والحمية عليه، والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فلا ينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر فيه الذكر، ولا ينحبس اللسان والقلب على المذكور، بل إن ذكر أو دعا بقلب غافل لاه ساه، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له، ولم تطاوعه، وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي، كما له جند يدفع عنه الأعداء، فأهمل جنده وضيعهم وأضعفهم، وقطع أقواتهم، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة.

هذا، وثَمَّ أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى اللَّه تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرًا من المحتضرين من أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل «لا إله إلا اللَّه»، فقال: شاه ورخ (١) غلبك ثم قضى.

٤١ - ومن عقوباتها: أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه (٢) عليه، وجيش يقويه به على حربه.

٤٢ - ومن عقوباتها: أنها تنسي العبد نفسه، فإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها، فإن قيل: كيف ينسى العبد نفسه؟ وإذا نسي نفسه، فأي شيء يذكر؟ وما معنى نسيانه نفسه؟

قيل: نعم ينسى نفسه أعظم نسيان، قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: ١٩]، فلما نسوا ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم، كما قال تعالى: {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧]، فعاقب سبحانه من نسيه عقوبتين: إحداهما: أنه سبحانه نسيه. والثانية: أنه أنساه نفسه. ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته، فالهلاك أدنى إليه من اليد إلى الفم. وأما إنساؤه نفسه فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها، ينسيه


(١) شاه ورخ قطعتان من قطع الشطرنج. والمحتضر يذكرهما لأنهما أخذا عليه لبه وعقله من كثرة اللعب.
(٢) أي: إبليس لعنه اللَّه]، والمقصود كما قال ابن القيم رحمه اللَّه - بعد إسهاب في الشرح -: أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه، ويعينهم بها على نفسه، فيقاتلونه بسلاحه، والجاهل يكون معهم على نفسه، وهذا غاية الجهل والسفه. (قل).

<<  <   >  >>