ذلك جميعه، فلا يخطره بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره. وأيضًا ينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها.
٤٣ - ومنها: المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة، قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه: ١٢٤]، وقد فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أنه من المعيشة الضنك، والآيات تتناول ما هو أعم منه، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات، فإن عمومها من حيث المعنى، فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره، فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم، ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب والأماني الباطلة والعذاب الحاضر ما فيه، وإنما تتوارى عند سكرات الشهوات والعشق وحب الدنيا والرياسة، إن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر، فسكر هذه الأمور أعظم من سكر الخمر، فإنه يفيق صاحبه ويصحو، وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه إلا إذا سكر في الأموات، فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر اللَّه الذي أنزله على رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دنياه، وفي البرزخ، ويوم معاده، ولا تقر العين ولا يهدأ القلب، ولا تطمئن النفس إلا بإلاهها ومعبودها الذي هو حق، وكل معبود سواه باطل، فمن قرت عينه باللَّه قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه باللَّه تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
... إلى أن قال رحمه اللَّه تعالى في نهاية الكلام عن آثار المعاصي:
فانظر إلى الآخرة كأنها رأي العين، وتأمل حكمة اللَّه سبحانه في الدارين، تعلم حينئذ علمًا يقينًا لا شك فيه، أن الدنيا مزرعة الآخرة وعنوانها وأنموذجها، وأن منازل الناس فيها من السعادة والشقاوة على حسب منازلهم في هذه الدار من الإيمان والعمل الصالح وضدها، فمن أعظم الذنوب الخروج عن الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، وباللَّه التوفيق. انتهى كلام ابن القيم رحمه اللَّه تعالى، وأحيطك علمًا بأن تلك النقاط السابقة مجرد عناوين وقليل من الشرح لما في كتاب «الجواب الكافي»، هذا الكتاب القيم لابن القيم.
فائدة:
قال عبد اللَّه بن عباس:«إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق».