ويكلمها (١)، حتى إذا شعر من نفسه أنه لم ينل حظًّا كافيًا في المرة الأولى لمعرفتها، وتبين ما ينبغي أن يطمئن إليه منها، كان له أن يعاود النظر ثانية وثالثة.
الصنف الثاني: متفلت عن سلطان الدين وأحكامه، فهو لا يبالي أن يمتع نفسه بحظوظها كلما تسنى له ذلك، لا فرق بين أن ينالها من حلال أو حرام!. فالشاب من هذا الصنف إن تزوج فهو إنما يدخر زواجه إلى أواسط عهد الكهولة أو آخرها. ولن تجد واحدًا من هؤلاء تزوج قبل سن الخامسة والثلاثين! .. إلا أن يكون ذلك لظروف استثنائية نادرة.
والزواج في اعتبار مثل هذا الإنسان، كرجوع السائح إلى داره بعد نزهة استنفدت المتعة فيها كل نشاطه وطاقاته، حتى إذا أدركه الملل والجهد عاد إلى داره يبغي فيها الراحة والهدوء؟ .. فهو - وقد نال من صنوف اللذات مغنمًا بدون مغرم - إنما يريد من الزوجة الآن أن تعينه على راحة ينشدها أو قرار يتطلبه، أكثر من أن يريد بالزواج متعة يشترك مع الزوجة فيها وسعادة يلتقي مع الزوجة على ارتشافها!.
وأكثر ما تظاهر بالرغبة في الزواج من قبل، فانجذبت الفتيات إليه من هنا وهناك، كل تعرض له ما عندها من زينة ورقة وجمال، على مذهب هؤلاء المخدوعات اللائي يحسبن أن الفتاة لا يمكن أن تعثر على الزوج الذي تبغيه إلا في الشارع الذي تتعرى فيه، فتذوق من هذه وتلك وتيك ..
ونال ما يبغيه منهن - كما قلنا - غنيمة بدون مغرم. إذ تنتهي بكل منهن خليلة اليوم، ثم نبذها وراء ظهره حليلة الغد!.
وبين الرجل والمرأة فارق في التسابق إلى حظوظ النفس - قلما يتبينه الناس - تكون المرأة هي الخاسرة فيه دائمًا! إذ المرأة مهما تحللت من قيود الدين والآداب، فإنها لا تصل إلى قمة سعادتها إلا في ظلال بيت تصبح أُمًّا سعيدة فيه. والرجل مهما كان شأنه، إنما تهفو نفسه إلى نعيم تصفو فيه لذته عن كدور الغرامة أو المسئولية أو الجهد، ولا يفطم نفسه عن التعلق بذلك إلا دين يتحكم بمجامع قلبه، فإذا فقد الدين فإن الرجل والمرأة يلتقيان على مائدة تكون المرأة دائمًا هي الطرف المغلوب فيها!.
وحصيلة هذا الكلام كله، واقع مشاهد ملموس لا يحتاج لرؤيته إلا إلى تأمل وانتباه. وهو أن نسبة الذين يقبلون على الزواج من الشبان المتدينين تزيد على ضعف نسبة من يقبلون عليه من المتحللين أو المتحررين. والمتدينون لا يتزوجون إلا في الحجر الصالح،
(١) هذا كله مع مراعاة أحكام الخطبة خاصة وجود المحرم. (قل).