للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يصلح لتعريفهما به١، ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلِّم؛ فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين؛ فنقول:

كل واحدة منهما تقع صفة لمعنيين: أحدهما: الكلام، كما في قولك: "قصيدة فصيحة أو بليغة، ورسالة فصيحة أو بليغة"، والثاني: المتكلم٢كما في قولك: "شاعر بليغ أو فصيح، وكاتب فصيح أو بليغ".

والفصاحة خاصة تقع صفة للمفرد؛ فيقال: "كلمة فصيحة"، ولا يقال: "كلمة بليغة".

فصاحة المفرد:

أما فصاحة المفرد: فهي خلوصه من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي.


١ لأن هذه الأقوال يقصد منها ذكر أوصاف البلاغة والفصاحة، ولا يقصد منها حقيقة الحد والرسم، وقد قصد بعض العلماء بعد هذه الأقوال إلى حقيقة الحد والرسم، فقاربوا ولم يصلوا إليهما، ومنهم أبو هلال العسكري في "الصناعتين"؛ فعرّف البلاغة بأنها: "كل ما تُبْلِغ به المعنى قلب السامع لتمكنه في نفسه لتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة, ومعرض حَسَن". وذكر أنه اختُلف في الفصاحة؛ فقيل: إنها مأخوذة من قولهم: أفصح عما في لسانه إذا أظهره؛ وعلى هذا ترادف البلاغة. وقيل: إنها تمام آلة البيان؛ فلا يكونان مترادفين؛ لأن الفصاحة تكون حينئذ مقصورة على اللفظ، وكذلك كان السكاكي في "المفتاح" كما سيأتي في كلامه عليهما.
٢ يرى أبو هلال العسكري أن البلاغة من صفة الكلام لا المتكلم؛ ولهذا لا يجوز أن يسمى الله تعالى بليغا؛ إذ لا يجوز أن يوصف بصفة كان موضوعها الكلام، وأما تسمية المتكلم بليغا فتوسع، وحقيقته أن كلامه بليغ، ثم كثر استعمال ذلك حتى صار كالحقيقة, ويرى أيضا أنه لا يجوز أن يسمى فصيحا؛ لأن الفصاحة تتضمن معنى الآلة وهي اللسان. هذا، وقد اعتمد الخطيب في ذلك التقسيم على ما جاء في "حسن التوسل" لأبي الثناء الحلبي، وكذلك اعتمد عليه في كثير من الموضوعات الآتية في العلوم الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>