للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول: السرقات الشعرية]

[مدخل]

اعلم أن اتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم١ -كالوصف بالشجاعة والسخاء والبلادة والذكاء- فلا يُعدّ سرقة، ولا استعانة ولا نحوهما؛ فإن هذه أمور متقررة في النفوس، متصورة للعقول، يشترك فيها الفصيح والأعجم، والشاعر والمُفْحَم.

وإن كان في وجه الدلالة على الغرض٢, وينقسم إلى أقسام كثيرة: منها التشبيه بما توجد الصفة فيه٣ على الوجه البليغ كما سبق٤، ومنها ذكر هيئات تدل على الصفة؛ لاختصاصها بمن له الصفة؛ كوصف الرجل حال الحرب بالابتسام وسكون الجوارح وقلة الفكر؛ كقوله:

كأن دنانيرا على قَسَمَاتهم ... وإن كان قد شَفَّ الوجوه لقاء٥

وكذا وصف الجواد بالتهلل عند ورود العفاة، والارتياح لرؤيتهم، ووصف البخيل بالعبوس وقلة البِشْر، مع سعة ذات اليد ومساعدة الدهر.

فإن كان مما يشترك الناس في معرفته؛ لاستقراره في العقول والعادات؛ كتشبيه الفتاة الحسنة الوجه بالشمس والبدر، والجواد بالغيث والبحر، والبليد البطيء بالحجر والحمار، والشجاع الماضي بالسيف والنار، فالاتفاق فيه كالاتفاق في عموم الغرض.

وإن كان مما لا يُنال إلا بفكر، ولا يصل إليه كل أحد٦؛ فهذا الذي يجوز أن يدعى فيه الاختصاص والسبق، وأن يقضى بين القائلين فيه بالتفاضل، وأن أحدهما فيه أفضل من الآخر، وأن الثاني زاد على الأول أو نقص عنه. وهو ضربان:

أحدهما: ما كان في أصله خاصيا غريبا.

والثاني: ما كان في أصله عاميا مبتذلا، لكن تُصُرِّف فيه بما أخرجه من كونه ظاهرا ساذجا إلى خلاف ذلك٧، وقد سبق ذكر أمثلتهما في التشبيه والاستعارة٨.

إذا عرفت هذا فنقول:

الأخذ والسرقة نوعان: ظاهر، وغير ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>