للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: ٦٩] ؛ إذ أصل الأول: "نسلم عليك سلاما"، وتقدير الثاني: سلام عليكم، كأن إبراهيم -عليه السلام- قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به١ أخذا بأدب الله تعالى في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: ٨٦] وقد ذُكر له وجه آخر فيه دقة، غير أنه بأصول الفلاسفة أشبه، وهو أن التسليم دعاء للمسلم عليه بالسلامة من كل نقص، ولهذا أُطلق، وكمال الملائكة لا يتصور فيه التجدد؛ لأن حصوله بالفعل مقارن لوجودهم، فناسب أن يحيوا بما يدل على الثبوت دون التجدد، وكمال الإنسان متجدد؛ لأنه بالقوة، وخروجه إلى الفعل بالتدريج، فناسب أن يُحيَّا بما يدل على التجدد دون الثبوت, وفيه نظر٢.

وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: ١٩٣] ، أي: أأحدثتم دعاءهم أم استمر صمتكم عنه؟ فإنه كانت حالهم المستمرة أن يكونوا صامتين عن دعائهم، فقيل: لم يفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم. وقوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء: ٥٥] أي: أأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك أم اللعب أي: أحوال الصبا بعد مستمرة عليك؟

وأما قوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} في جواب {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: ٨] فلإخراج ذواتهم من جنس المؤمنين مبالغة في تكذيبهم؛ ولهذا أطلق قوله:


١ لأن الجملة الاسمية في ذلك تفيد الثبوت والدوام، بخلاف الفعلية.
٢ وجهه أن إبراهيم لم يكن يعلم وقت السلام أنهم ملائكة، بدليل قوله: {قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} على أن ذلك يقتضي أن يكون رفع "سلام" في تحية البشر بعضهم لبعض غير بليغ، ولا يقول بهذا أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>