للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللبلاغة طرفان: أعلى، إليه تنتهي، وهو حد الإعجاز وما يقرب منه١. وأسفل، منه تبتدئ٢، وهو ما إذا غُيِّر الكلام عنه إلى ما هو دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات؛ وإن كان صحيح الإعراب.

وبين الطرفين مراتب كثيرة متفاوتة.

"المحسنات البديعية": وإذ قد عرفت معنى البلاغة في الكلام وأقسامها ومراتبها؛ فاعلم أنه يتبعها وجوه كثيرة٣ غير راجعة إلى مطابقة مقتضى الحال ولا إلى الفصاحة، تورث الكلام حسنا وقبولا٤.

بلاغة المتكلم:

وأما بلاغة المتكلم فهي ملكة يُقتدر بها على تأليف كلام بليغ.

حصر علوم البلاغة: وقد عُلم بما ذكرنا أمران:

أحدهما: أن كل بليغ -كلاما كان أو متكلما- فصيح، وليس كل فصيح


١ حد الإعجاز: منتهاه؛ لأن الحد في اللغة: منتهى الشيء، وما يقرب من الإعجاز هو ما دونه من مراتب الإعجاز؛ لأن الحق أن القرآن متفاوت الإعجاز، وليس كل آياته في درجة واحدة من البلاغة، وبهذا يكون قوله: "وما يقرب منه" معطوفا على "حد الإعجاز"، وقيل: إنه معطوف على قوله: "وهو", على معنى أن حد الإعجاز هو الطرف الأعلى وما يقرب منه كما قال السكاكي، ولكن حمل ما هنا عليه لا يخلو من تكلف.
٢ من العلماء -كالفخر الرازي- من يرى أن هذا ليس من البلاغة، فيُلحق بأصوات الحيوانات أيضا، والحق أنه منها؛ لأنه لا بد من اشتماله على خصوصية ما، فيدخل في تعريف البلاغة.
٣ هي المحسنات البديعية الآتية في علم البديع.
٤ المراد بالقبول هنا ما يرادف الحسن، لا القبول بمعنى الصحة؛ لعدم توقف صحة الكلام عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>