وثانيهما: أن تنزّل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي من متبوعه في اتحاد المعنى١؛ كقوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢] ؛ فإن {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يُدرَك كُنْهها حتى كأنه هداية محضة٢، وهذا معنى قوله:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} ؛ لأن معناه -كما مر- الكتاب الكامل، والمراد بكماله كماله في الهداية٣؛ لأن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت في درجات الكمال، وكذلك قوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[البقرة: ٦] ، فإن معنى قوله:{لا يُؤْمِنُونَ} معنى ما قبله٤، وكذا ما بعده٥ تأكيد ثانٍ؛ لأن عدم التفاوت بين الإنذار وعدمه لا يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق، وسمع تدرك به حجة، وبصر تثبت به عبرة، ويجوز أن يكون {لا يُؤْمِنُونَ} خبرا لـ {إِنَّ} ٦ فالجملة قبلها اعتراض.