للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الطب: علم يعرف به أحوال بدن الإنسان". وكما قال الشيخ أبو عمرو١ رحمه الله: "التصريف: علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم".

وقال السكاكي٢: "علم المعاني هو تتبع خواص٣ تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره٤؛ ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقتضي الحال ذكره".

وفيه نظر؛ إذ التتبع ليس بعلم ولا صادق عليه؛ فلا يصح تعريف شيء من العلوم به.

ثم قال: "وأعني بالتراكيب تراكيب البلغاء". ولا شك أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة، وقد عرفها في كتابه٥ بقوله: "البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها٦ وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها"٧. فإن أراد بالتراكيب في حد البلاغة تراكيب البلغاء -وهو الظاهر- فقد جاء الدور٨، وإن أراد غيرها فلم يبينه, على أن قوله: "وغيره" مبهم لم يبين مراده به٩.


١ هو عثمان بن عمرو المعروف بابن الحاجب, صاحب "الكافية" في النحو، و"الشافية" في التصريف.
٢ المفتاح ص٨٦, المطبعة الأدبية.
٣ المراد بها أحوال اللفظ في تعريف الخطيب.
٤ غير الاستحسان هو الاستهجان، ويريد بذلك: أن تراكيب الكلام لها خواص مستحسنة وخواص مستهجنة، وكل منهما يبحث في علم المعاني.
٥ المفتاح ص٢٠٨.
٦ هذا يكون بإيرادها مطابقة لمقتضى الحال.
٧ بأن تكون خالية من التعقيد المعنوي، وبهذا يرجع عنده علم البيان إلى البلاغة لا إلى الفصاحة كما ذكر الخطيب في المقدمة، وإنما لم يقيد تعريف البلاغة بفصاحة الكلام ليحترز به عن غير التعقيد أيضا كما سبق في تعريفها؛ لأنه يرى أنها غير لازمة لها، وسيأتي زيادة بيان لهذا في آخر علم البيان.
٨ لأن معرفة البلاغة على هذا تتوقف على معرفة البلغاء، مع أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة.
٩ يجاب عنه بأنه سبق بيان مراده به؛ فلا شيء عليه فيه. ومع هذا, أرى أن تعريف السكاكي ركيك العبارة، وأنه كان الأجدر بالخطيب إهماله.

<<  <  ج: ص:  >  >>