للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة، أو غير زائد عليه، وهذا هو الباب الثامن.

تنبيه:

انحصار الخبر في الصادق والكاذب:

اختلف الناس في انحصار الخبر في الصادق والكاذب١؛ فذهب الجمهور إلى أنه منحصر فيهما، ثم اختلفوا؛ فقال الأكثر منهم: صدقه مطابقة حكمه للواقع، وكذبه عدم مطابقة حكمه له، هذا هو المشهور، وعليه التعويل.

وقال بعض الناس٢: صدقه: مطابقة حكمه لاعتقاد المخبر, صوابا كان أو خطأ، وكذبه: عدم مطابقة حكمه له٣، واحتج بوجهين:

أحدهما: أن من اعتقد أمرا فأخبر به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال: "ما كذب، ولكنه أخطأ"، كما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت فيمن شأنه كذلك: "ما كذب، ولكنه وهم". ورُدَّ بأن المنفي تعمد الكذب، لا الكذب؛ بدليل تكذيب الكافر؛ كاليهودي إذا قال: "الإسلام باطل"، وتصديقه إذا قال: "الإسلام حق"؛ فقولها: "ما كذب" متأول بـ "ما كذب عمدا".

الثاني: قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١] . كذّبهم في قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وإن كان مطابقا للواقع؛ لأنهم لم يعتقدوه.


١ مثل هذا لا يصح الاشتغال به في علوم البلاغة؛ لأنه لا فائدة فيه.
٢ هو إبراهيم بن سيّار, المعروف بالنظّام.
٣ أي: لاعتقاده، وهذا بأن يكون له اعتقاد يخالفه، أو لا يكون له اعتقاد أصلا، فيدخل خبر الشاك عند النظام في الكذب، ويكون من يقول: "محمد رسول" وهو شاك فيه، كاذبا عنده، وهو صادق عند الجمهور. وقيل: إن خبر الشاك ليس خبرا، فهو خارج عن المقسم، ولكن هذا لا يأتي مع ما سيأتي عن الجاحظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>