أراد أنه فاق الأنام في الأوصاف الفاضلة، إلى حد بطل معه أن يكون واحدا منهم، بل صار نوعا آخر -برأسه- أشرف من الإنسان، وهذا -أعني أن يتناهى بعض أفراد النوع في الفضائل, إلى أن يصير كأنه ليس منها- أمر غريب يفتقر من يدعيه إلى إثبات جواز وجوده على الجملة، حتى يجيء إلى إثبات وجوده في الممدوح؛ فقال:"فإن المسك بعض دم الغزال" أي: ولا يعد في الدماء؛ لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لا يوجد منها شيء في الدم، وخلوه من الأوصاف التي لها كان الدم دما؛ فأبان أن لما ادّعاه أصلا في الوجود على الجملة.
ومنها بيان حاله؛ كما في تشبيه ثوب بثوب آخر في السواد، إذا عُلم لون المشبه به دون المشبه١.
ومنها بيان مقدار حاله في القوة والضعف والزيادة والنقصان؛ كما في قوله:
مداد مثل خافية الغراب٢
وعليه قول الآخر:
فأصبحت من ليلى الغداة كقابض ... على الماء خانتْه فروج الأصابع٣
أي: بلغت في بوار سعيي في الوصول إليها وإن أُمتَّع بها أقصى الغايات، حتى لم