بكونه غير حقيقي١, ومثّله بصور مثّل بها غيره أيضا، منها قول ابن المعتز:
اصبر على مَضَض الحسو ... د فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله٢
فإن تشبيه الحسود المتروك مقاولته -مع تطلبه إياها لينال بها نفثة مصدور- بالنار التي لا تُمد بالحطب في أمر غير حقيقي٣؛ منتزع من متعدد، وهو إسراع الفناء؛ لانقطاع ما فيه مدد البقاء.
ومنها قول صالح بن عبد القدوس:
وإن من أدبته في الصِّبا ... كالعود يُسقَى الماء في غرسه
حتى تراه مونقا ناضرا ... بعد الذي أبصرت من يبسه٤
فإن تشبيه المؤدَّب في صباه بالعود المسقيّ أوان غرسه فيما يلزم كل واحد، من كون المؤدب في صباه مهذب الأخلاق حميد الفعال؛ لتأديبه المصادف وقته، وكون العود المسقي أوان غرسه مونقا بأوراقه ونضرته؛ لسقيه المصادف وقته من تمام الميل٥ وكمال الاستحسان، بعد خلاف ذلك.
ومنها قوله تعالى:{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} ٦ فإن تشبيه حال المنافقين بحال الموصوف بصلة الموصول في الآية في أمر غير حقيقي منتزع من متعدد، وهو الطمع في حصول مطلوب لمباشرة أسبابه القريبة، مع تعقب الحرمان والخيبة؛ لانقلاب الأسباب.