للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المخاطبون منزلة المترددين فيه؛ تنبيها لهم على ظهور أدلته، وحثا على النظر فيها، ولهذا جاء {تُبْعَثُونَ} على الأصل١.

هذا كله اعتبارات الإثبات، وقس عليه اعتبارات النفي؛ كقولك: "ليس زيد"، أو: "ما زيد منطلقا" أو "بمنطلق"، "ووالله ليس زيدا"، أو: "ما زيد منطلقا" أو بمنطلق، و"ما ينطلق؛ أو ما إن ينطلق زيد"، و"ما كان زيد ينطلق، وما كان زيد لينطلق"، و"لا ينطلق زيد", و"لن ينطلق زيد"، "ووالله ما ينطلق, أو ما إن ينطلق زيد"٢.


١ أي: على الفعلية دون الاسمية؛ لأن المعنى على التجدد، لا الثبوت، وبهذا يكون ما في الآية من تنزيل المنكر منزلة المتردد.
٢ هذا والتأكيد يأتي أيضا في الإنشاء كما يأتي في الخبر، كقول الشاعر "من البسيط":
هلا تمنن بوعد غير مخلفة ... كما عهدتك في أيام ذي سلم
ولكن التأكيد لا يأتي في الإنشاء لدفع التردد والإنكار؛ لأنهما لا يأتيان فيه، وإنما يأتي لأغراض أخرى من أغراض التأكيد في الخبر؛ لأنها لا تنحصر فيما ذكر: فمنها الدلالة على استبعاد الحكم من المخبر؛ كما في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} [الشعراء: ١١٧] . ومنها الاعتناء بشأن الحكم؛ كما في قول أبي بكر: "إن البلاء موكل بالمنطق". ومنها تهيئة النكرة للابتداء بها؛ كما في قول الشاعر "من الخفيف":
إن دهرا يلف شملي بسعدى ... لزمان يهم بالإحسان
ومنها إظهار صدق الرغبة في الحكم وقصد ترويجه، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: ١٤] . فلم يؤكدوا في خطاب المؤمنين؛ لعدم رواجه منهم عندهم، وأكدوا في خطاب إخوانهم؛ لصدق رغبتهم فيهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>