قوله تعالى:{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} ١، وفي كل واحد منهما شيء غير الذي في الآخر يؤكد أمر الدقة والغرابة؛ أما الذي في الأول فهو أنه أدخل الأعناق في السير؛ فإن السرعة والبطء في سير الإبل يظهران غالبا في أعناقها على ما مر، وأما الذي في الثاني فهو أنه قال:"عليه"؛ فعدى الفعل إلى ضمير الممدوح بـ "على"، فأكد مقصوده من كونه مطاعا في الحي.
وكما في قوله:
فرعاء إن نهضت لحاجتها ... عَجِلَ القضيب وأبطأ الدِّعْص٢
إذ وصف القضيب بالعجلة، والدعص بالبطء٣.
وقد تحصل الغرابة بالجمع بين عدة استعارات لإلحاق الشكل بالشكل؛ كقول امرئ القيس:
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازا وناء بكَلْكَل٤
أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له صلبا يتمطى به؛ إذ كان كل ذي صلب يزيد في طوله عند تمطيه شيء، وبالغ في ذلك بأن جعل له أعجازا يردف بعضها بعضا، ثم أراد أن يصفه بالثقل على قلب ساهره والضغط لمكابده؛ فاستعار له كلكلا ينوء به؛ أي: يثقل به. وقال الشيخ عبد القاهر٥:"لما جعل لليل صلبا قد تمطى به، ثنّى ذلك، فجعل له أعجازا قد أردف بها الصلب، وثلَّث فجعل له كلكلا قد ناء به، فاستوفى له جملة أركان الشخص، وراعى ما يراه الناظر من سواده إذا نظر قدامه، وإذا نظر خلفه، وإذا رفع البصر ومده في عُرْض الجو"٦.