للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يصير "ضَرَبَ" خبرا عن "زيد" بواضع اللغة؛ بل بمن قُصد إثبات الضرب فعلا له، وإنما الذي يعود إلى واضع اللغة أن "ضرب" لإثبات الضرب، لا لإثبات الخروج، وأنه لإثباته في زمان ماضٍ، وليس لإثباته في زمان مستقبل، فأما تعيين من ثبت له، فإنما يتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين. ولو كان لغويا لكان حكمنا بأنه مجاز في مثل قولنا: "خط أحسن مما وشّى الربيع"؛ من جهة أن الفعل لا يصح إلا من الحي القادر١, حكما بأن اللغة هي التي أوجبت أن يختص الفعل بالحي القادر دون الجماد، وذلك مما لا يشك في بطلانه٢.

وقال السكاكي٣: "الحقيقة العقلية هي الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه, قال: وإنما قلت: "ما عند المتكلم" دون أن أقول: "ما عند العقل"٤؛ ليتناول كلام الجاهل إذا قال: "شفى الطبيب المريض" رائيا شفاء المريض من الطبيب، حيث عُد منه حقيقة، مع أنه غير مفيد لما في العقل من الحكم فيه"٥.

وفيه نظر؛ لأنه غير مطرد؛ لصدقه على ما لم يكن المسند فيه فعلا ولا متصلا به٦, كقولنا: "الإنسان حيوان" مع أنه لا يسمى حقيقة ولا مجازا٧، ولا منعكس؛


١ أي: لا من الربيع.
٢ يقصد بهذا الرد على قول بعضهم: إن الإسناد في هذين القسمين لغوي لا عقلي. وقيل: إن جرينا على أن المركبات موضوعة فهو لغوي، وإن لم نجر على هذا فهو عقلي، وهذا خلاف لا طائل تحته.
٣ المفتاح ص٢١١.
٤ أي: كما قال عبد القاهر.
٥ لأن العقل يرى إسناد ذلك إلى الله, لا إلى الطبيب.
٦ المتصل بالفعل هو اسم الفاعل ونحوه.
٧ الحق أنه لا معنى للاعتراض بهذا على السكاكي؛ لأنه يرى أن الحقيقة والمجاز العقليين يجريان في كل إسناد، ولا يخصّهما بما خصّه به الخطيب، على أن الخطيب قد ذكر في المجاز العقلي أمثلة مركبة من مبتدأ وخبر، مثل: "نهاره صائم" ولا ينفع في الجواب عنه أن المجاز عنده في إسناد الخبر إلى ضمير المبتدأ؛ لأن هذا الإسناد غير مقصود في الكلام، وإنما المقصود =

<<  <  ج: ص:  >  >>