للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: "وإذ قد وقفت على البلاغة والفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنك"، وذكر ما أورده الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ١, وزاد عليه نكتا لا بأس بها، فرأيت أن أورد تلخيص ما ذكره, جاريا على اصطلاحه في معنى البلاغة والفصاحة:

قال: أما النظر فيها من جهة علم البيان فهو أنه -تعالى- لما أراد أن يبيِّن معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن يغيض الماء النازل من السماء فغاض، وأن يقضى أمر نوح -وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه- فقُضي، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت، وأبقينا الظلمة غرقى؛ بنى الكلام على تشبيه المراد منه٢ بالمأمور الذي لا يتأتى منه -لكمال هيبته- العصيان، وتشبيه تكوين المراد٣ بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود، تصويرا لاقتداره تعالى، وأن السموات والأرض وهذه الأجرام العظام تابعة لإرادته، كأنهم عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته، وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره، وتحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده، ثم بنى على تشبيهه هذا نظم الكلام؛ فقال تعالى: {وَقِيلَ} على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل٤، وجعل قرينة المجاز خطاب الجماد، وهو: يا أرض ويا سماء، ثم قال: {يَا أَرْضُ} و {وَيَا سَمَاءُ} , مخاطبا لهما على سبيل الاستعارة للشبه

<<  <  ج: ص:  >  >>