للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يقدح ذلك في كونهما من المجاز العقلي، وإنما قلت: "لضرب من التأول"؛ ليُحْتَرَز به عن الكذب؛ فإنه لا يسمى مجازا مع كونه كلاما مفيدا خلاف ما عند المتكلم، وإنما قلت: "إفادة للخلاف لا بواسطة وضع"؛ ليحترز به عن المجاز اللغوي في صورة، وهي إذا ادُّعي أن "أنبت" موضوع لاستعماله في القادر المختار، أو وُضع لذلك"١.

وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم بطلان طرده بما ذُكر؛ لخروجه بقوله: "لضرب من التأول" ولا بطلان عكسه بما ذكر؛ إذ المراد بخلاف ما عند العقل خلاف ما في نفس الأمر٢. وفي كلام الشيخ عبد القاهر٣ إشارة إلى ذلك؛ حيث عرّف الحقيقة العقلية بقوله: "كل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل واقع موقعه فإن قوله: "واقع موقعه" معناه في نفس الأمر، وهو بيان لما قبله٤.

وكذا في كلام الزمخشري، حيث عرف المجاز العقلي بقوله: "وأن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له فإن قوله: "في الحقيقة" معناه في نفس الأمر، ونحو: "كسا الخليفة الكعبة" إذا كان الإسناد فيه مجازا كذلك.

ثم القول بأن الفعل موضوع لاستعماله في القادر، ضعيف؛ وهو معترف بضعفه، وقد رده في كتابه بوجوه: منها أن وضع الفعل لاستعماله في القادر قيد لم ينقل عن واحد من رواة اللغة، وترك القيد دليل في العرف على الإطلاق؛ فقوله:


١ الفرق بين الأمرين أن "أنبت" على الأول موضوع لإخراج النبات مطلقا، ولكنه لا يستعمل إلا في القادر المختار، وعلى الثاني يكون موضوعا لإخراج القادر المختار النبات.
٢ فلا يخرج نحو: "هزم الأمير الجند"؛ لأنه خلاف ما في نفس الأمر؛ لأن الذي يهزم الجند جيشه.
٣ أسرار البلاغة ص٢٤٩، مطبعة الاستقامة.
٤ يعني قوله: "على ما هو عليه في العقل" وهو جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر "أن" قبله، وهذا بيان له.

<<  <  ج: ص:  >  >>