الْجَلالَةِ، حُلْوُ الْمُجْتَنَى مَا اقْتُصِرَ، فَإِذَا أُفْرِطَ عَادَ خَبَلا قَاتِلا، وَفَسَادًا مُعَطَّلا، وَهُوَ شَجَرَةٌ عَرْشُهَا كَرِيهٌ، وَمَجْنَاهَا لَذِيذٌ، ثُمَّ وَلَّتْ، وَأَنْشَأَتْ تَقُولُ:
وَذِي قَلَقٍ مَا يَعْرِفُ الصَّبْرَ وَالْعِزَّا ... لَهُ مُقْلَةٌ عَبْرَى قَدْ أَضَرَّ بِهَا الْعَنَا
وَجِسْمٌ نَحِيلٌ مِنْ شَجًى لاعِجِ الْهَوَى ... فَمَنْ ذَا يُدَاوِي الْمُسْتَهَامَ مِنَ الضَّنَا
وَلا سِيَّمَا وَالْحُبُّ صَعْبٌ مَرَامُهُ ... إِذَا عَطَفَتْ مِنْهُ الْعَوَاطِفُ وَالْفَنَا "
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بُنُ دِينَارٍ الْفَقَيهُ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الشَّيْخِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْيَقْفِيَّ يَحْكِي عَنْ ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ، قَالَ: " كُنْتُ فِي الطَّوَافِ إِذْ طَلَعَ نُورٌ لَحِقَ عَنَانَ السَّمَاءِ، فَتَعَجَّبْتُ، وَأَتْمَمْتُ طَوَافِي، وَقُمْتُ أَتَفَكَّرُ فِي ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا حَزِينًا، فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِجَارِيَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تَقُولُ:
أَنْتَ تَدْرِي يَا حَبِيبِي ... يَا حَبِيبِي أَنْتَ تَدْرِي
وَنُحُولُ الْجِسْمِ وَالدَّمْعُ ... يَبُوحَانِ بِسِرِّي
يَا عَزِيزُ قَدْ كَتَمْتُ الْحُبَّ ... حَتَّى ضَاقَ صَدْرِي
قَالَ ذُو النُّونِ: فَشَجَانِي مَا سَمِعْتُ حَتَّى انْتَحَبْتُ وَبَكَيْتُ.
ثُمَّ قَالَتْ: إِلَهِي وَسَيِّدِي وَمَوْلاي، بِحُبِّكَ لِي إِلا غَفَرْتَ لِي.
قَالَ: فَتَعَاظَمَنِي ذَلِكَ، وَقُلْتُ: يَا جَارِيَةُ، أَمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي: بِحُبِّي لَكَ، حَتَّى تَقُولِي بِحُبِّكَ لِي؟ فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا ذَا النُّونِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْمًا يُحِبُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحِبُّوهُ؟ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] فَسَبَقَتْ مَحَبَّتُهُ لَهُمْ مَحَبَّتَهُمْ لَهُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ أَنِّي ذُو النُّونِ؟ فَقَالَتْ: يَا بَطَّالُ، جَالَتِ الْقُلُوبُ فِي مَيْدَانِ الأَسْرَارِ فَعَرَفْتُكَ بِمَعْرِفَةِ الْجَبَّارِ.
ثُمَّ قَالَتِ: انْظُرْ مِنْ خَلْفِكَ؟ فَأَدَرْتُ وَجْهِي، فَلا أَدْرِي السَّمَاءُ اقْتَلَعَتْهَا أَمِ الأَرْضُ ابْتَلَعَتْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute