للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِيمِي، حَدَّثَنَا الْبَرْذَعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَرْعَى لِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ وَلا أَحْرَصَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، لَقَدْ رَأَيْتُ جَارِيَةً مِنْهُمْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مُتَعَلِّقَةً بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، تَدْعُو وَتَتَضَرَّعُ وَتَبْكِي حَتَّى مَاتَتْ»

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الصُّوفِيُّ، أَنْبَأنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحِيرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَاكَوَيْهِ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْجَبَلِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ السَّائِحُ، قَالَ: " بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ إِذَا بِجُوَيْرِيَةٍ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تَقُولُ: يَا وَحْشَتِي بَعْدَ الأُنْسِ، وَيَا ذِلَّتِي بَعْدَ الْعِزِّ، وَيَا فَقْرِي بَعْدَ الْغِنَى.

فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ؟ أَذَهَبَ لَكِ مَالٌ أَوْ أُصِبْتِ بِمُصِيبَةٍ؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ كَانَ لِي قَلْبٌ فَقَدْتُهُ.

قُلْتُ: وَهَذِهِ مُصِيبَتُكِ؟ قَالَتْ: وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ فَقْدِ الْقُلُوبِ وَانْقِطَاعِهَا عَنِ الْمَحْبُوبِ.

فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ حُسْنَ صَوْتِكِ قَدْ عَطَّلَ عَلَى سَامِعِيهِ الطَّوَافَ.

فَقَالَتْ: يَا شَيْخُ، الْبَيْتُ بَيْتُكَ أَمْ بَيْتُهُ؟ قُلْتُ: بَلْ بَيْتُهُ.

قَالَتِ: الْحَرَمُ حَرَمُكَ أَمْ حَرَمُهُ؟ قُلْتُ: بَلْ حَرَمُهُ.

قَالَتْ: فَدَعْنَا نَتَدَلَّلُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ مَا اسْتَزَارَنَا إِلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَتْ: بِحُبِّكَ لِي إِلا رَدَدْتَ عَلَيَّ قَلْبِي.

فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيْنَ تَعْلَمِينَ أَنَّهُ يُحِبُّكِ؟ قَالَتْ: لِعِنَايَتِهِ الْقَدِيمَةِ جَيَّشَ مِنْ أَجْلِي الْجُيُوشَ، وَأَنْفَقَ الأَمْوَالَ، وَأَخْرَجَنِي مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، وَأَدْخَلَنِي فِي التَّوْحِيدِ، وَعَرَّفَنِي نَفْسَهُ بَعْدَ جَهْلِي إِيَّاهُ، فَهَلْ هَذَا إِلا لِعِنَايَتِهِ بِي؟ قُلْتُ: كَيْفَ حُبُّكِ لَهُ؟ قَالَتْ: أَعْظَمُ شَيْءٍ وَأَجَلُّهُ.

قُلْتُ: وَتَعْرِفِينَ الْحُبَّ؟ قَالَتْ: فَإِذَا جَهِلْتُ الْحُبَّ، فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْرِفُ.

قُلْتُ: فَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَتْ: أَرَّقُ مِنَ الشَّرَابِ.

قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَتْ: مِنْ طِينَةٍ عُجِنَتْ بِالْحَلاوَةِ، وَخُمِّرَتْ فِي إِنَاءِ

<<  <   >  >>