للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ آخَرُ:

شَيَّعْتُهُمْ فَاسْتَرَابُوا بِي فَقُلْتُ لَهُمْ: ... إِنِّي بُعِثْتُ مَعَ الْأَجْمَالِ أَحْدُوهَا

قَالُوا: فَمَا نَفَسٌ يَعْلُو كَذِي صَعَدَا ... وَمَا لِعَيْنِكَ لا يَرْقَا مَاءُ مَآقِيهَا

قُلْتُ: النَّفْسُ مِنْ إِدْمَانِ سَيْرِكُمْ ... وَالْعَيْنُ تَذْرِفُ دَمْعًا مِنْ قَذًى فِيهَا

وَوَصَلَنِي كِتَابٌ مِنْ بَعْضِ إِخْوَانِي مِنَ الْحَاجِّ يَتَضَمَّنُ الاسْتِحْيَاشَ لِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَهَيَّجَ شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَبِيَاتًا مِنْهَا:

أَنَرَاكُمْ فِي النَّقَا فَالْمُنَحَنَى ... يَوْمَ سَلْعٍ تَذْكُرُونَ ذِكْرَنَا

انْقَطَعْنَا فَوَصَلْتُمْ فَاعْلَمُوا ... وَاشْكُرُوا الْمُنْعِمَ يَا أَهْلَ مِنَى

قَدْ رَبِحْتُمْ وَخَسِرْنَا فَصِلُوا ... بِفُضُولِ الرِّبْحِ مَنْ قَدْ غَبُنَا

يَا سَقَى اللَّهُ حِمًى أَنْتُمْ بِهِ ... وَرَعَى تِلْكَ الرُّبَا وَالدِّمَنَا

سَارَ قَلْبِي خَلْفَ أَجْمَالِكُمْ ... غَيْرَ أَنَّ الْوَهَنَ عَاقَ الْبَدَنَا

مَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلا قَدْ ... جِئْتُهُ أَسْعَى بِأَقْدَامِ الْمُنَى

إِنْ سَقَتْكُمْ دِيمَةٌ هَاطِلَةٌ ... فَدُمُوعِي قَدْ جَرَتْ لِي أَعْيُنَا

وَأُنَادِي كُلَّمَا لَبَّيْتُمُ ... فِي بَوَادِي أَسَفَى وَاحَزَنَا

بَدَنِي نِضْوٌ لِأَبْدَانِكُمْ ... وَالَّذِي أَقْلَقَنِي أَنِّي هُنَا

آهٍ وَأَشْوَاقِي إِلَى ذَاكَ الْحَيِّ ... شَوْقُ مَحْرُومٍ وَقَدْ ذَاقَ الْجَنَا

سَلِّمُوا عَنِّي عَلَى أَرْبَابِهِ ... أَخْبِرُوهُمْ أَنَّنِي حِلْفُ الضَّنَا

أَنَا مُذْ غِبْتُمْ عَلَى تِذَكَارِكُمْ ... أَتُرَاكُمْ عِنْدَكُمْ مَا عِنْدَنَا

عَرْفُكُمْ تَعْرِفُهُ رِيحُ الصَّبَا ... كُلَّمَا هَبَّتْ بِهِ مَرَّتْ بِنَا

دَرَّ دَرُّ الْوَصْلِ مَا أَعْذَبَهُ ... لَيْتَهُ يَرْضَى بِرُوحِي ثَمَنَا

زَمَنًا مُذْ زَالَ أُولَى زَمَنَا ... فَأَعَادَ اللَّهُ ذَاكَ الزَّمَنَا

<<  <   >  >>