للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ فِي الطَّوَافِ، فَقَالَ: أَلَسْتُ صَاحِبَكَ بِالْأَمْسِ؟ قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: فَأَنْشِدْنِي بَيْتًا آخَرَ، قُلْتُ: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: ٢٣] .

فَوَقَفَ يَبْكِي وَجَعَلَ يَقُولُ: وَمَنْ أَلْجَأَهُ إِلَى الْيَمِينِ؟ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى سَقَطَ مَيِّتًا "

وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، إِذَا أَنَا بِغُلامٍ وَاقِفٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَرُدُّ عَلَيْكَ حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقِّي.

قُلْتُ: وَمَا حَقُّكَ؟ قَالَ: أَنَا غُلامٌ عَلَى مَذْهَبِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ، لا أَتَغَدَّى وَلا أَتَعَشَّى حَتَّى أَسِيرَ الْمِيلَ وَالْمِيلَيْنِ فِي طَلَبِ الضَّيْفِ.

فَأَجَبْتُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَرَحَّبَ بِي، وَسِرْتُ مَعَهُ حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ خَيْمَةٍ، وَصَاحَ: يَا أُخْتَاهُ.

فَأَجَابَتْهُ: يَا لَبَّيْكَاهُ.

فَقَالَ: قُومِي إِلَى ضَيْفِنَا.

فَقَالَتْ: حَتَّى أَبْدَأَ بِشُكْرِ الْمَوْلَى الَّذِي سَبَّبَ لَنَا الضَّيْفَ، فَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ، وَأَخَذَ الْغُلامُ الشَّفْرَةَ فَذَبَحَ عِنَاقًا، فَلَمَّا جَلَسْتُ فِي الْخَيْمَةِ، نَظَرْتُ إِلَى جَارِيَةٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، فَكُنْتُ أُسَارِقُهَا النَّظَرَ، فَفَطِنَتْ، فَقَالَتْ: مَهْ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ نُقِلَ إِلَيْنَا أَنَّ زِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ.

فَلَمَّا نِمْتُ بِالْلَيْلِ سَمِعْتُ دَوِّيَ الْقُرْآنِ طُولَ الْلَيْلِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قُلْتُ لِلْغُلامِ: مَنْ كَانَ يَتْلُو ذَلِكَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أُخْتِي تُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ إِلَى الصَّبَاحِ.

فَقُلْتُ: يَا فَتَى، أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أُخْتِكَ، لِأَنَّكَ رَجُلٌ وَهِيَ امْرَأَةٌ، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مُوَفَّقٌ وَمَخْذُولٌ؟

<<  <   >  >>