للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ شَيْءٌ مُسْبَلٌ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّتْ عَلَيَّ عَجُوزٌ مِنْ دَاخِلِ الْخِبَاءِ، وَقَالَتْ: يَا إِنْسَانُ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ مَكَّةَ.

قَالَتْ: وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: الشَّامَ.

فَقَالَتْ: أَرَى شَبَحَكَ شَبَحَ إِنْسَانٍ كَبِيرٍ بَطَّالٍ، أَلا لَزِمْتَ زَاوِيَةً تَجْلِسُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَأْتِيكَ الْيَقِينُ، ثُمَّ تَنْظُرُ هَذِهِ الْكِسْرَةَ مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُهَا.

ثُمَّ قَالَتْ: تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

فَقَالَتْ: اقْرَأْ عَلَيَّ آخِرَ سُورَةِ الْفُرْقَانِ.

فَقَرَأْتُهَا، فَشَهِقَتْ وَأُغْمِيَ عَلَيْهَا.

فَلَمَّا أَفَاقَتْ بَعْدَ هَوًى، قَرَأَتْ هِيَ الْآيَاتِ، فَأَخَذَتْ مِنِّي قِرَاءَتُهَا أَخْذًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا إِنْسَانُ، اقْرَأْهَا ثَانِيَةً.

فَقَرَأْتُهَا، فَلَحِقَهَا مَثْلُ مَا لَحِقَهَا فِي الْأَوَّلِ، وَبَقِيَتْ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِ وَلَمْ تُفِقْ.

فَقُلْتُ: كَيْفَ أَسْتَكْشِفُ خِبَاهَا، مَاتَتْ أَمْ لا؟ فَتَرَكْتُ الْبَيْتَ عَلَى حَالِهِ، وَمَشَيْتُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ فَأَشْرَفْتُ عَلَى وَادٍ فِيهِ أَعْرَابٌ، فَأَقْبَلَ إِلَيَّ غُلامَانِ مَعَهُمَا جَارِيَةٌ، فَقَالَ أَحَدُ الْغُلامَيْنِ: يَا إِنْسَانُ، أَتَيْتَ الْبَيْتَ الَّذِي فِي الْفَلاةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: قَتَلْتَ الْعَجُوزَ وَرِبِّ الْبَيْتِ، فَرَجَعْتُ مَعَهُمْ حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْتَ، فَدَخَلَتِ الْجَارِيَةُ فَكَشَفَتْ عَنْهَا فَإِذَا هِيَ مَيْتَةٌ، فَأَعْجَبَنِي خَاطِرُ الْغُلامِ فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: مَنْ هَذَانِ الْغُلامَانِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ أُخُتُهُمْ، مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً مَا تَأْنَسُ بِكَلامِ النَّاسِ، تَأْكُلُ فِي كُلِّ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَكْلَةً وَشَرْبَةً "

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْتُوغَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْقَزْوِينِيُّ، أَنْبَأَنَا يُوسُفُ الْقَوَّاسُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْخُرَاسَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ عَلَيٍّ، أَنْبَأَنَا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: " كُنْتُ بِالْبَادِيَةِ أُعَلِّمُ الْقُرْآنَ، فَإِذَا أَنَا بِأَعْرَابِيٍّ بِيَدِهِ سَيْفٌ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي لِيَأْخُذَ ثِيَابِي، قَالَ لِي: يَا حَضَرِيُّ، مَا أَدْخَلَكَ الْبَدْوَ؟ قُلْتُ: أُعَلِّمُ الْقُرْآنَ.

قَالَ: وَمَا الْقُرْآنُ؟ قُلْتُ: كَلامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ: وَلِلَّهِ كَلامٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَأَنْشِدْنِي مِنْهُ بَيْتًا، قُلْتُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: ٢٢] ، قَالَ: فَرَمَى السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، رِزْقِي فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَطْلُبُهُ فِي الْأَرْضِ.

<<  <   >  >>