إذا علمت ذلك فما يزعمه بعض المتعبدين من أن السحر هو قبل الفجر بساعتين أو ساعة مثلا استنادًا على أن أورادًا ألفت في ذلك وجرت العادة بقراءتها قبل الفجر في الحصة المذكورة وهو خطأ في فهم حقيقة الوقت الوضعية. نعم ما قارب الشيء قد يعطي حكمه فلما قاربه انسحب عليه الاسم بعرفهم والقصد من ذلك أن من استيقظ قبل الفجر بمقدار ما يتوضأ ويصلي ولو ركعتين ويدرك الفجر لأول وقته أعني في الغلس فهو مما يصدق عليه أنه ممن أحيا السحر ونال فضيلته إذا استغفر وصلى فيه وأناب، وحينئذ فما يزعمه أهل ذلك الورد أنهم هم أهل السحر خاصة غفلة عن فهم هذا الوقت بلسان الشريعة واللغة.
ثم إن مما ينتقد على قارئي ورد السحر في المسجد أمران إذا وجدا منهم: الأول جهرهم بقراءة ثم الذكر بعده بحيث يشوش على مصلٍ أو ذاكر وقد يكون المسجد ضيقًا وهو أشد خطرًا لما يتألم من رفع صوتهم كل من حضر إليه ليتهجد.
والثاني: -وهو منكر كالأول بالإجماع- أن أهل ورد السحر قد ينفرد شيخهم بإمامة جماعته في المسجد قبل إمامة الراتب فيقسم الجماعة ويفتات على الراتب ويهضم حقه ويسعى بهدم سر الاجتماع إلى غير ذلك، وقد أوضحت محظورات التقدم على الراتب في رسالة بديعة. ومنهم من لا ينتظر تمام أذان الفجر بل يأخذ بصلاة سنته قبل فراغ الأذان حبًّا بالعجلة ثم يقيم الصلاة بمن حضره ويستعجل عجلة تروق لمن كان على شاكلته. وقد يتصل صفه بصف الراتب إذا أقيمت الصلاة للراتب بعده كما يقع في الجامع الأموي في مثل رمضان.
ولو قيل لهم في ذلك لقالوا نحن أدركنا أشياخنا على هذا وهم كانوا أعلم وأصلح "أنا وجدنا آباءنا". وقد يستند متفقه منهم على ما يوجد في كتب الشافعية المتأخرين من جواز التقدم على الراتب في المسجد المطروق وقد بينت في رسالتي المذكورة خطأ هذا القول بما راجعته من عدة كتب في المذهب وآخر من رد هذا القول ابن حجر في فتاويه. على أن كل قول في المذهب لم ينقل عن نفس الإمام فلا يكون مذهبًا له وإنما هو رأي لقائله وها هو "الأم" قد طبع الآن ومن كان مقلدًا للشافعي فالأم مرجعه فما كان فيه فهو متمسكه وما لا فلا عبره به؛ لأنه لا يسوغ تقليد المقلد وإنما يقلد المجتهد كما تقرر في الأصول، فافهم فقد تقدم نحو هذه البدعة في بحث الافتئات على الإمام الراتب فتذكر.