قل أن يدخل المرء لقرية من القرى الظاهرة عن المدن فيرى مساجدها معتنى بحاجياتها فضلًا عن كمالياتها. ترى مسجد القرية متعفن الأرض لا يقي حصره عن العفونة دف خشب مع أن الدفوف إنما تجلب إلى المدن من القرى، تراه لا سجادات فيه ولا بسط لطيفة تقي المصلي برودة أرضه، تراه غير متقن البناء. تراه مفتقرًا إلى زيادة التنوير، ترى بيوت أخليته لا يستطاع قضاء الحاجة فيها للإعراض عن كسحها أو عمل مصرف لقاذوراتها. إذا قيل ما السبب؟ فالجواب أن السبب إما أكل ريع أوقافه أو إعراض أكابر جيرانه عن الالتفات إلى إشادته وتعميره. سألت فقيه الجراكسة بعمان البلقاء عام رحلتي إلى بيت المقدس من طريقها وقلت له: ما بال أغنياء عمان لا يتممون ما نقص جامعهم هذا الفخيم، وما بالهم لا يزيلون عن أرض برانية التراب المتراكم حتى يصلوا إلى أرضه القديمة وبلاطه العتيق، وهلا التفتوا إلى تشييد منارته ولقد أوشك بنيانها أن يتداعى للسقوط؟ فقال لي: الأغنياء يعمرون الدنيا ولا يعمرون الآخرة. وهكذا يقال في غير عمان، نعم يوجد في بعض القرى مساجد حسنة البناء كمسجد قرية التل ومسجد دوما ومساجد أخرى في قضاء القلمون فما أجدر بقية القرى أن تحذو حذوها، وفق الله الأغنياء والنظار لذلك وبصرهم بالعواقب.