للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- الانقطاع في المسجد لحفظ النفس:

قال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان": ومن كيده وخداعه -يعني الشيطان- أنه يأمر الرجل بانقطاعه في مسجد أو رباط أو زاوية أو تربة ويحبسه هناك وينهاه عن الخروج ويقول له: متى خرجت تبذلت للناس وسقطت من أعينهم وذهبت هيبتك من قلوبهم وربما ترى في طريقك منكرًا وللعدو في ذلك مقاصد خفية يريدها منه، منها الكبر واحتقار الناس وحفظ الناموس وقيام الرياسة ومخالطة الناس تذهب ذلك وهو يريد أن يزار ولا يزور ويقصده الناس ولا يقصدهم ويفرح بمجيء الأمراء إليه واجتماع الناس عنده وتقبيل يده فيترك من الواجبات والمستحبات والقربات ما يقربه إلى الله ويتعوض عنه بما يقرب الناس إليه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى السوق قال بعض الحفاظ: ويشتري حاجته ويحملها بنفسه ذكره أبو الفرج ابن الجوزي وغيره١، وكان أبو بكر رضي الله عنه يخرج إلى السوق يحمل الثياب فيبيع ويشتري، ومر عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعلى رأسه حزمه حطب فقيل له: ما يحملك على هذا وقد أغناك الله عز وجل؟ فقال: أردت أن أدفع به الكبر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة عبد في قلبه مثقال ذرة من الكبر" ٢.

وكان أبو هريرة رضي الله عنه يحمل الحطب وغيره من حوائج نفسه وهو أمير على المدينة ويقول: أفسحوا لأميركم أفسحوا لأميركم. وخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا وهو خليفة في حاجة له ماشيًا فأعيا فرأى علامًا على حمار له فقال: يا غلام احملني فقد أعييت فنزل الغلام عن الدابة وقال: اركب يا أمير المؤمنين فقال: لا، اركب أنت وأنا خلفك. فركب خلف الغلام حتى دخل المدينة والناس يرونه.


١ كأنه يشير إلى قصة دخوله صلى الله عليه وسلم السوق مع أبي هريرة، وشرائه سراويل ومنعه صلى الله عليه وسلم أبا هريرة أن يحملها عنه وقوله: صاحب الشيء أحق بحمله ... فإن كان يريد هذا، فهو موضوع كما بينته في "الضعيفة" "٨٩"، وإن أراد غيره فلم أعرفه.
٢ حديث صحيح، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" "٦٤: ٢١٦: " من طريقين عن عكرمة بن عمار قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: زعم عبد الله بن حنظلة الراهب أن عبد الله بن سلام مر في السوق وعليه حزمة حطب ... قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الهيثمي "١: ٩٩"، وللمرفوع منه شواهد كثيرة عنده. وأخرجه مسلم "١: ٧٥" وأبو داود "٢: ١٨١" والترمذي "١: ٣٦٠" وصححه وابن خزيمة في "التوحيد" "٢٤٧" وأحمد "١: ٤٥١" وابن سعد "٧: ٤٧٥" من حديث ابن مسعود.

<<  <   >  >>