للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٨- التماوت وإطراق الرأس وإحناء الظهر في المسجد وغيره:

قال الإمام "أبو شامة" في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث": ومما ابتدع واستميلت قلوب الجهال والعوام بسببه التماوت في المشي والكلام حتى صار ذلك شعار من يريد أن يظن فيه التنسك والتورع فليعلم إذن الدين خلاف ذلك وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ثم السلف الصالح ففي أحاديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائلة أنه كان إذا مشى تقلع١ قال أبو عبيد: أي كان قوي المشية يرفع رجليه من الأرض رفعًا بائنا بقوة.

وروى المبرد في كامله أن عائشة رضي الله عنها نظرت إلى رجل متماوت فقالت: ما هذا؟ فقالوا: أحد القراء -الفقهاء- فقالت: قد كان عمر رضي الله عنه قارئا فكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع. قال: يروى أن عمر رأى رجلًا مظهرًا للنسك متماوتًا فخفقه بالدرة وقال: لا تمت علينا ديننا أماتك الله، وروى الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال: استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع، وقال المدائني: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص وهو واليه بمصر رفع إليَّ أنك تبكي بمجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تبك. وروى ابن عساكر عن ابن المبارك قال: ما رأيت إبراهيم بن أدهم يظهر تسبيحًا ولا شيئًا من الخير ولا أكل مع قوم طعامًا إلا كان آخر من يرفع يديه من الطعام، وعنه أيضًا قال: إنه ليعجبني من القراء كل طلق ضحاك فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في القراء مثله. قال أبو شامة: وهذه الطلاقة التي أشار إليها هي التي كانت تعرف من حسن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كانت الغالب على أصحابه رضي الله عنهم وسادات المتقدمين من الأئمة الجامعين بين العلم والعمل كسعيد بن المسيب إمام أهل المدينة وسيد التابعين في وقته مع خشونته المعروفة في أمر الله تعالى وكأمر الشعبي من أئمة الكوفة وابن سيرين من أئمة البصرة والأوزاعي من أئمة الشام والليث بن سعد من أئمة مصر وغيرهم رضي الله عنهم قد عرف ذلك من أخبارهم، ثم هي طريقة الشافعي رحمه الله تعالى وطريقة من ارتضيناه من مشايخنا الذين عاصرناهم وبالله التوفيق. ا. هـ كلامه.


١ حديث صحيح، أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "١: ٤١٠، ٤١١" من طريقين عن علي رضي الله عنه. وله شاهد صحيح الإسناد من حديث لقيط بن صبرة، وهو مخرج في "صحيح الإسناد من حديث لقيط بن صبرة، وهو مخرج في "صحيح السنن" "١٣١".

<<  <   >  >>