يرغب كثير من أغبياء العامة وهم في المساجد عن الجلوس في حلقة عالم يلقي الحكم والفوائد والنصائح ويتحلقون لأنفسهم على قتل الوقت باللغو وهؤلاء قد يشملهم ما رواه البخاري في صحيحه في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد قال فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبًا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله تعالى فآواه الله إليه، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".
قال في فتح الباري: فيه استحباب التحليق في مجالس العلم وفيه استحباب الأدب في مجالس العلم وفضل سد خلل الحلقة وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير وفيه جواز الاخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة وفيه الثناء على المستحي والجلوس حيث ينتهي به المجلس وفضل ملازمة حلق العلم وجلوس العالم في المسجد. ا. هـ.
ولا يخفى أن جلوس العالم لبث العلم من أكبر النعم على العامة؛ إذ يجب عليهم السعي لطلب العلم النافع ولو من مكان بعيد. فإذا كان بين أظهرهم يعظهم ويذكرهم وهم عنه معرضون فما أشقاهم وما أنكد حظهم من الخير. عهد في القرون الأولى قرون السلف أن يضرب أحدهم كبد الإبل مسيرة شهر لسماع حديث نبوي يأخذ منه حكمة صالحة فأصبحت الحكم والأحاديث ينادى بها في أكسد الأسواق أسواق الراغبين عن الحكمة والموعظة الحسنة النهمين على حظوظ النفس وأمانيها فإنا لله وإنا إليه راجعون.