هذه العادة المستهجنة جارية في أغلب المساجد، ذلك أنه إذا بقي من رمضان خمس ليال أو ثلاث يجتمع المؤذنون والمتطوعون من أصحابهم، فإذا فرغ الإمام من سلام وتر رمضان تركوا قراءة المأثور من التسبيح وأخذوا يتناوبون مقاطيع منظومة في التأسف على انسلاخ رمضان فمتى فرغ أحدهم من نشيد مقطوعة بصوته الجهوري أخذ رفقاؤه بمقطوعة دورية، باذلين قصارى جهدهم في الصيحة والصراخ بضجيج يصم الآذان ويسمع الصم. ويساعدهم على ذلك جمهور المصلين بقرار نغمهم. ولعلم الناس بأن مثل تلك الليالي هي ليالي الوداع ترى في أطراف المساجد وعلى سدده وأبوابه وداخل صحنه النساء والرجال والشبان والولدان، بحالة تقشعر لقبحها الأبدان؛ وقد اشتملت هذه البدعة على عدة منكرات منها رفع الأصوات بالمسجد وهو مكروه كراهة شديدة. ومنها التغني والتطرب في بيوت لم تشيد إلا للذكر والعبادة. ومنها كون هذه العادة مجلبة للنساء والأولاد والرعاع الذين لا يحضرون إلا بعد انقضاء الصلاة للتفرج والسماع. ومنها كونها داعية لاختلاط النساء بالرجال. ومنها كونها ينشأ عنها هتك حرمة المسجد لاتساخه وتبذله بهؤلاء المتفرجين وكثرة الضوضاء والصياح من أطرافه إلى غير ذلك مما لو رآه السلف لضربوا على أيدي مبتدعيه، وقاوموا بكل قواهم من أحدث فيه، والمستعان بالله نسأله تعالى العون على تغيير هذا الحال بمنه وكرمه.
ومن العجائب أن خطيبًا في آخر جمعة من رمضان يندب فراقة كل عام ويتحزن على مضية ويقول: لا أوحش الله منك يا شهر كذا وكذا، ويكرر هذه الوحشيات مسجعات مرات عديدة، ومنها "لا أوحش الله منك يا شهر المصابيح، لا أوحش الله منك يا شهر المفاتيح" فتأمل هداك الله لما آلت إليه الخطب لا سيما خطبة هي آخر شهر جليل والناس في حاجة إلى آداب يتعلمونها لما يستقبلهم من صدقة الفطر ومواساة الفقراء والمشي على ما ينتجه الصوم من الكمالات والتطبع على آثاره الفضلى وتجنب البدع وغير ذلك مما يقتضيه المقام، وما ألطف ما جاء في طهارة القلوب: مما يجدر أن تنسج الخطباء على منواله "يا هذا تهيأ لسماع المواعظ بحضور قلبك ينفعك ما تسمع، إذا فاض النهر