قال الإمام الغزالي في باب المغرورين من إحيائه: وفرقة أخرى زهدت في المال وقنعت من اللباس والطعام بالدون ومن المسكن بالمساجد وظنت أنها أدركت رتبة الزهادة وهو مع ذلك راغب في الرياسة والجاه إما بالعلم أو الوعظ أو بمجرد الزهد فقد ترك أهون الأمرين وباء بأعظم المهلكين فإن الجاه أعظم من المال ولو ترك الجه وأخذ المال كان إلى السلامة أقرب فهذا مغرور إذ ظن أنه من الزهاد في الدنيا وهو لم يفهم معنى الدنيا، ولم يدر أن منتهى لذاتها الرياسة وأن الراغب فيها لا بد وأن يكون منافقًا وحسودًا ومتكبرًا ومرائيًا ومتصفًا بجميع خبائث الأخلاق. نعم وقد يترك الرياسة ويؤثر الخلوة والعزلة وهو مع ذلك مغرور إذ يتطاول بذلك على الأغنياء ويخشن معهم الكلام وينظر إليهم بعين الاستحقار ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم ويعجب بعمله ويتصف بجملة من خبائث القلوب وهو لا يدري وربما يعطى المال فلا يأخذه خيفة من أن يقال بطل زهده ولو قيل له: إنه حلال فخذه في الظاهر ورده في الخفية لم تسمح به نفسه خوفًا من ذم الناس فهو راغب في حمد الناس وهو